أبو نواس
عرف الحسن أبو بشعر الخمریات
، فالبرغم من حدیث الأقدمین عن الخمر إلا أن ذلك كان للفخر والتمدح بالكرم
والجود ، فجاء وصفهم لطعمها ولونها والنشوة التی تحدثها فی انفس شاریبها ،
إلا ، وصف الخمر لم یكن فناً مستقلاً من فنون الشعر .
لما انتشرت الحریة والترف فی العصر العباسی بشكل كبیر مع انتشار الحانات ودور اللهو ، أغرق الناس فی حب الخمر والمجاهرة بتعاطیها بشكل أكبر عما كان عند قبلهم .
نشأ أبو نواس فی البصرة مركز الثقافة والعلم فأكب أبو نواس على العلم واللغة حتى حصل ثقافة واسعة ، وبما أن البصرة كانت مركزاً للهو أیضاً فتعرف أبو نواس وهو ما یزال شاباً على والبة بن الحباب الذی نقل إلیه الكثیر من أخلاقه الردیئة ووضعه فی مجالس الخمر لیصبح فیما بعد أمیرها .
وهكذا جمع أبو نواس اللهو والعلم ، فقد استطاع أن یقوم لسانه على لغة عربیة خالصة بعد أن أقام سنة فی البادیة ثم اتجه إلى بغداد حیث المال والجاه .
اتصل أبو نواس كما حال شعراء عصره بالخلفاء والعظماء ، إلا أن حیاته الشاذة وتطرفه جعلت مقامه بینهم قصیراً ، فقد اتصل بالرشید ، إلا أن الخلیفة اضطر لسجنه مدة وصلت إلى 14 شهر . بعد أن تطاول على بنی عدنان فهو كعادته أبداً مستهتر عدیم المسؤولیة لا یأبه ولا یكترث لشیء .
تجول أبو نواس فی البلاد المختلفة ، إلا أن حیاته ظلت واحدة من سكر واستهتار ومجون .
عاش أجمل أیامه فی كنف الأمین الذی تعرف علیه أیام طلبه العلم ، فعندما أصبح الأمین خلیفة قربه إلیه واتخذه ندیماً له ، عندئذ أخذ حریته الكاملة فی اللهو والعبث حتى ذاع أمره وانتشر خاصة بعد مقولته :
ألا فاسقنی خمراً وقل لی هی الخمر ولاتسقنی سراً إذا أمكن الجهر
لكن مع بدء الخلاف بین الأمین والمأمون نها الخلیفة الأمین أبو النواس عن المغالاة حتى لا تنفر الرعیة من خلیفتهم وتساند المأمون .
أخل نجم الأمین ومعه انطفئ أبو نواس وأخذ یشعر بالندامة والتحسر على حیاة عابثة أخذت كل قویة وحدت جسمه وقد روى الشافعی أنه لما زار أبا نواس سأله عما أكد لملاقاة ربه فأنشد أبو نواس :
تعاظمنی ذنبی قلما قرنته بعفوك ربی ، كان عفوك أعظما
أبو نواس كبشار بن برد ، جمع بین التقلید والتجدید فالتقلید كان إرضاء لذوی السلطان لنیل ودهم وبالتالی هباتهم ، فجاء شعره التقلیدی متكلفاً أورثه السأم والضجر :
دعانی إلى وصف الطول مسلط یضیق ذراعی أن أرد له أمراً
فسمعاً أمیر المؤمنین وطاعةً وإن كنت قد جشمتنی مركباً وبحرا
إلا أن إطلاعه الواسع على اللغة وشعر الأقدمین ساعده كثیراً فی شعره ، فكان مدیحه مشابهاً لمدح الشعراء السابقین ولا سیما الأمویین منهم من وقوف على الأطلال والبكاء علیها ثم وصف الناقة حتى یصل إلى الممدوح فیبالغ فی مدحه وأسلوبه الذی استعمله له ألفاظاً ضخمة مع أوزان طویلة لتلاءم تصنعه فی العاطفة ومغالاته فیها ، إلا أن الممدوح إذا قربه وألفه عندئذ یكون شعره أكثر حریة خاصة فی مدحه للأمین :
هناك الوصف والهجاء وقلیل من الرثاء ، الذی لا یناسب طبیعة أبی نواس اللاهیة المستهترة اتبع فیه أیضاً طرق الأقدمین فی الأسلوب والمعنى .
أما التجدید فهو ما یناسب أبو نواس تماماً ، ففیه حطم القیود وأطلق نفسه على سجیتها لتنشد ما تحب وتشتهی ، فأبو نواس یحب الفلسفة وحدیث الآراء والمذاهب وهذا لم یكن محبباً عند الأقدمین ، مذهبه مصلحته ، ولما كان الخلاف شدیداً بین العرب والشعوبیین المحتقرین للعرب أعطى الشعوبیون الكثیر من الحریات ومرافق الترف واللهو مما لا یحبذه العرب المتمسكون بعاداتهم ودینهم فمال أبو نواس إلى الشعوبیین فهو مغمور النسب أصلاً لا یقیده إیثار عرقی وإنما المغریات المقدمة .
تجلى شعره المجدد فی عدة مظاهر وهی :
1- الهجاء :
لم یكون أبو نواس ذلك الناقم على الجنس البشری ، همه الأوحد فضح العیوب وهتك المستور كبشار مثلاً ومع ذلك فقد عمد إلى الهجاء أحیاناً فكان إما حربیاً لیدافع عن نزعة سیاسیة أو عقیدة أدبیة ، توجه نقده للعرب عموماً وللأعراب القدماء خصوصاً ، لیظهر بذلك میله الفارسی ولیهجو العقلیة التی تعیش حیاة الخشونة والجفاء هجاؤه قد یكون انتقاصیاً لنفسه من خصومه ومنتقدیه بطریقة حادة مؤلمة وإن لم ینطو على نقمة عمیقة .
فی كل الأحوال ما جمع شعره فی هذا المجال هو الواقعیة اللاهیة ورشاقة الأسلوب ومدح الأعاجم لاسیما الفرس منهم ، هجاؤه كان مقلداً بحریر من ناحیة قذف المهجر بعبارات رزینة محكمة تتضمن معانی القذع والتعریض بالمهجر جاعلاً منه أضحوكة على ألسن الناس .
2- الطردیات أو وصف الصید :
أصبح هذا الفن قائماً بذاته فی عهد أبی نواس فقد نال هذا الفتى اهتمام أبی نواس لأنه ولع الأمراء فكان شاعرنا یرافقهم مما ساعده على الإتیان بصور واقعیة متقنة كصور آلات الصید والطرائد والتی استعان فیها بالصور البدیعة من استعارات وتشابیه خیالیة .
3- الزهدیات :
وهی قصائد أبی نواس فی آخر أیامه بعد أن تحطمت قواه ، فانكفأ على نفسه متبصراً المعاصی الكثیرة التی ملأت حیاته ، جاءت هذه القصائد أبعد ما تكون عن العظات فهی أقرب إلى الشعر الغنائی المعبر عن نغمات شجیة من قلب متألم فی عبارات صادقة ، عمیقة العاطفة فكانت من أجمل شعر أبی نواس .
4- الغزل :
جاء غزله متصنعاً فعشقه الوحید كانت المتعة والعبث فلا مكان للعواطف الصادقة لتغزو قلبه أما التغزل بالكلمات والكلامیات فهو ما برع به أبو نواس والذی اعتبره كثیر من دارسی الأدب وصمة فی تاریخ العرب .
5- الخمریات :
فیها تجلت عبقریة أبو نواس وأكثر ما اشتهر به ، فكانت الخمرة عشقه ومعبوده فهی أشبه بإنسان نبه الشاعر كل هواه .
الشعر عند أبی نواس هو لوصف الواقع كما هو ، دون الحاجة لأسلوب الأقدمین ، فكان وصفه للخمرة حسیاً فیما یتعلق برائحتها ومذاقها وألوانها وتأثیرها فی الحس والنفس .
من لاف كأنا كل شیء یتمنى مخیر أن یكونا
أكل الدهر ما تجسم فیها وتبقى لبائها مكنونا
فإذا ما اجتلیتها فهباء تمنع الكف ما تبیح العیونا
ما یمیز كلامه على الخمرة هو التشخیص والظرف التی فیها خفة روح الشاعر وصدقه فی حبه للخمرة فجاء أسلوبه موسیقیاً سلسلاً فی رشیق وقافیة خفیفة .
ما یمیز شعر أبی نواس هو بعده عن التكرار والجحود فكان شعره متنوع المعانی والصور فی أسلوبه الشعر الوصفی الخطابی والغنائی والقصصی .
أما لغته فهی سلسلة ،غنیة واضحة عبرت عن عاطفة رقیقة فیها سذاجة من أعجب بنفسه بكل ما فیها من نزعات وشذوذ :
مازلت أستل رووح الدن فی لطف وأستقی دمه فی جوف مجروح
حتى انثنیت ولی روحان فی جسد والدن منطرح ، جسماً بلا روح
تتمثل شاعریة أبی نواس بقدرته التی تصل إلى حد العبقریة وجمال تشخیصه ولوحاته الزاهیة التی عبرت عن شخصیة تلقائیة .
لما انتشرت الحریة والترف فی العصر العباسی بشكل كبیر مع انتشار الحانات ودور اللهو ، أغرق الناس فی حب الخمر والمجاهرة بتعاطیها بشكل أكبر عما كان عند قبلهم .
نشأ أبو نواس فی البصرة مركز الثقافة والعلم فأكب أبو نواس على العلم واللغة حتى حصل ثقافة واسعة ، وبما أن البصرة كانت مركزاً للهو أیضاً فتعرف أبو نواس وهو ما یزال شاباً على والبة بن الحباب الذی نقل إلیه الكثیر من أخلاقه الردیئة ووضعه فی مجالس الخمر لیصبح فیما بعد أمیرها .
وهكذا جمع أبو نواس اللهو والعلم ، فقد استطاع أن یقوم لسانه على لغة عربیة خالصة بعد أن أقام سنة فی البادیة ثم اتجه إلى بغداد حیث المال والجاه .
اتصل أبو نواس كما حال شعراء عصره بالخلفاء والعظماء ، إلا أن حیاته الشاذة وتطرفه جعلت مقامه بینهم قصیراً ، فقد اتصل بالرشید ، إلا أن الخلیفة اضطر لسجنه مدة وصلت إلى 14 شهر . بعد أن تطاول على بنی عدنان فهو كعادته أبداً مستهتر عدیم المسؤولیة لا یأبه ولا یكترث لشیء .
تجول أبو نواس فی البلاد المختلفة ، إلا أن حیاته ظلت واحدة من سكر واستهتار ومجون .
عاش أجمل أیامه فی كنف الأمین الذی تعرف علیه أیام طلبه العلم ، فعندما أصبح الأمین خلیفة قربه إلیه واتخذه ندیماً له ، عندئذ أخذ حریته الكاملة فی اللهو والعبث حتى ذاع أمره وانتشر خاصة بعد مقولته :
ألا فاسقنی خمراً وقل لی هی الخمر ولاتسقنی سراً إذا أمكن الجهر
لكن مع بدء الخلاف بین الأمین والمأمون نها الخلیفة الأمین أبو النواس عن المغالاة حتى لا تنفر الرعیة من خلیفتهم وتساند المأمون .
أخل نجم الأمین ومعه انطفئ أبو نواس وأخذ یشعر بالندامة والتحسر على حیاة عابثة أخذت كل قویة وحدت جسمه وقد روى الشافعی أنه لما زار أبا نواس سأله عما أكد لملاقاة ربه فأنشد أبو نواس :
تعاظمنی ذنبی قلما قرنته بعفوك ربی ، كان عفوك أعظما
أبو نواس كبشار بن برد ، جمع بین التقلید والتجدید فالتقلید كان إرضاء لذوی السلطان لنیل ودهم وبالتالی هباتهم ، فجاء شعره التقلیدی متكلفاً أورثه السأم والضجر :
دعانی إلى وصف الطول مسلط یضیق ذراعی أن أرد له أمراً
فسمعاً أمیر المؤمنین وطاعةً وإن كنت قد جشمتنی مركباً وبحرا
إلا أن إطلاعه الواسع على اللغة وشعر الأقدمین ساعده كثیراً فی شعره ، فكان مدیحه مشابهاً لمدح الشعراء السابقین ولا سیما الأمویین منهم من وقوف على الأطلال والبكاء علیها ثم وصف الناقة حتى یصل إلى الممدوح فیبالغ فی مدحه وأسلوبه الذی استعمله له ألفاظاً ضخمة مع أوزان طویلة لتلاءم تصنعه فی العاطفة ومغالاته فیها ، إلا أن الممدوح إذا قربه وألفه عندئذ یكون شعره أكثر حریة خاصة فی مدحه للأمین :
هناك الوصف والهجاء وقلیل من الرثاء ، الذی لا یناسب طبیعة أبی نواس اللاهیة المستهترة اتبع فیه أیضاً طرق الأقدمین فی الأسلوب والمعنى .
أما التجدید فهو ما یناسب أبو نواس تماماً ، ففیه حطم القیود وأطلق نفسه على سجیتها لتنشد ما تحب وتشتهی ، فأبو نواس یحب الفلسفة وحدیث الآراء والمذاهب وهذا لم یكن محبباً عند الأقدمین ، مذهبه مصلحته ، ولما كان الخلاف شدیداً بین العرب والشعوبیین المحتقرین للعرب أعطى الشعوبیون الكثیر من الحریات ومرافق الترف واللهو مما لا یحبذه العرب المتمسكون بعاداتهم ودینهم فمال أبو نواس إلى الشعوبیین فهو مغمور النسب أصلاً لا یقیده إیثار عرقی وإنما المغریات المقدمة .
تجلى شعره المجدد فی عدة مظاهر وهی :
1- الهجاء :
لم یكون أبو نواس ذلك الناقم على الجنس البشری ، همه الأوحد فضح العیوب وهتك المستور كبشار مثلاً ومع ذلك فقد عمد إلى الهجاء أحیاناً فكان إما حربیاً لیدافع عن نزعة سیاسیة أو عقیدة أدبیة ، توجه نقده للعرب عموماً وللأعراب القدماء خصوصاً ، لیظهر بذلك میله الفارسی ولیهجو العقلیة التی تعیش حیاة الخشونة والجفاء هجاؤه قد یكون انتقاصیاً لنفسه من خصومه ومنتقدیه بطریقة حادة مؤلمة وإن لم ینطو على نقمة عمیقة .
فی كل الأحوال ما جمع شعره فی هذا المجال هو الواقعیة اللاهیة ورشاقة الأسلوب ومدح الأعاجم لاسیما الفرس منهم ، هجاؤه كان مقلداً بحریر من ناحیة قذف المهجر بعبارات رزینة محكمة تتضمن معانی القذع والتعریض بالمهجر جاعلاً منه أضحوكة على ألسن الناس .
2- الطردیات أو وصف الصید :
أصبح هذا الفن قائماً بذاته فی عهد أبی نواس فقد نال هذا الفتى اهتمام أبی نواس لأنه ولع الأمراء فكان شاعرنا یرافقهم مما ساعده على الإتیان بصور واقعیة متقنة كصور آلات الصید والطرائد والتی استعان فیها بالصور البدیعة من استعارات وتشابیه خیالیة .
3- الزهدیات :
وهی قصائد أبی نواس فی آخر أیامه بعد أن تحطمت قواه ، فانكفأ على نفسه متبصراً المعاصی الكثیرة التی ملأت حیاته ، جاءت هذه القصائد أبعد ما تكون عن العظات فهی أقرب إلى الشعر الغنائی المعبر عن نغمات شجیة من قلب متألم فی عبارات صادقة ، عمیقة العاطفة فكانت من أجمل شعر أبی نواس .
4- الغزل :
جاء غزله متصنعاً فعشقه الوحید كانت المتعة والعبث فلا مكان للعواطف الصادقة لتغزو قلبه أما التغزل بالكلمات والكلامیات فهو ما برع به أبو نواس والذی اعتبره كثیر من دارسی الأدب وصمة فی تاریخ العرب .
5- الخمریات :
فیها تجلت عبقریة أبو نواس وأكثر ما اشتهر به ، فكانت الخمرة عشقه ومعبوده فهی أشبه بإنسان نبه الشاعر كل هواه .
الشعر عند أبی نواس هو لوصف الواقع كما هو ، دون الحاجة لأسلوب الأقدمین ، فكان وصفه للخمرة حسیاً فیما یتعلق برائحتها ومذاقها وألوانها وتأثیرها فی الحس والنفس .
من لاف كأنا كل شیء یتمنى مخیر أن یكونا
أكل الدهر ما تجسم فیها وتبقى لبائها مكنونا
فإذا ما اجتلیتها فهباء تمنع الكف ما تبیح العیونا
ما یمیز كلامه على الخمرة هو التشخیص والظرف التی فیها خفة روح الشاعر وصدقه فی حبه للخمرة فجاء أسلوبه موسیقیاً سلسلاً فی رشیق وقافیة خفیفة .
ما یمیز شعر أبی نواس هو بعده عن التكرار والجحود فكان شعره متنوع المعانی والصور فی أسلوبه الشعر الوصفی الخطابی والغنائی والقصصی .
أما لغته فهی سلسلة ،غنیة واضحة عبرت عن عاطفة رقیقة فیها سذاجة من أعجب بنفسه بكل ما فیها من نزعات وشذوذ :
مازلت أستل رووح الدن فی لطف وأستقی دمه فی جوف مجروح
حتى انثنیت ولی روحان فی جسد والدن منطرح ، جسماً بلا روح
تتمثل شاعریة أبی نواس بقدرته التی تصل إلى حد العبقریة وجمال تشخیصه ولوحاته الزاهیة التی عبرت عن شخصیة تلقائیة .
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در شنبه ۱۱ اردیبهشت ۱۳۸۹و ساعت 19:34|