ابو تمام
تحلیل النص الأدبی
فتح عموریة.. السیف أصدق إنباء
17 من رمضان 223 هـ
تحلیل النص الأدبی
فتح عموریة.. السیف أصدق إنباء
17 من رمضان 223 هـ
كانت وصیة الخلیفة المأمون لأخیه المعتصم وهو على
فراش المرض أن یقضی على فتنة بابك الخُرَّمی، وكان زعیم فرقة ضالة، تؤمن
بالحلول وتناسخ الأرواح، وتدعو إلى الإباحیة الجنسیة. وبدأت تلك الفتنة تطل
برأسها فی أذربیجان، ثم اتسع نطاقها لتشمل همدان وأصبهان، وبلاد الأكراد
وجرحان. وحاول المأمون أن یقضی علیها فأرسل الحملات تترى لقمع تلك الفتنة،
لكنه توفی دون أن یحقق نجاحًا، تاركًا للمعتصم مهمة القضاء علیها.
وما إن تولى المعتصم الخلافة حتى انصرف بكلیته للقضاء على فتنة بابك الخرمی مهما كلفه الأمر، وخاصة بعد أن شغلت الخلافة سنوات طویلة، وأنهكت میزانیة الدولة، وأهلكت الرجال والأبطال. واستغلت الدولیة البیزنطیة انشغال الخلیفة المعتصم بالقضاء على تلك الفتنة الهوجاء وراحت تعتدی على حدود الدولة العباسیة، وجهزت لذلك جیشًا ضخمًا قادة إمبراطور الدولة، حیث هاجم شمال الشام والجزیرة.
وكان بابك الخرمی -حین ضاق علیه الحصار، واشتد الخناق علیه، وأیقن ألا مفر من الاستسلام- قد اتصل بإمبراطور الروم یحرضه على غزو الدولة العباسیة؛ لیخف الحصار علیه، وزین له أمر الهجوم بأن معظم جیوش الدولة مشغول بالقضاء علیه، ولم یبق فی العاصمة قوة تدافع عنها، ووعده باعتناق المسیحیة هو وأتباعه.
عزز ذلك الأمر من رغبة الإمبراطور فی الهجوم على الدولة العباسیة، ودخل بقواته مدینة "زبطرة" التی تقع على الثغور وكانت تخرج منها الغزوات ضد الروم. وقتل الجیش البیزنطی من بداخل المدینة من الرجال، ثم انتقل إلى "ملطیة" المجاورة، فأغار علیها وعلى كثیر من الحصون، ومثّل الجیش الرومی بمن وقع فی یده من المسلمین، وسمل أعینهم، وقطع آذانهم وأنوفهم، وسبى أكثر من ألف امرأة مسلمة، ورجع الجیش البیزنطی إلى القسطنطینیة فرحًا بما حقق، واستُقبل من أهلها استقبالا رائعًا.
النفیر
وصلت هذه الأنباء المروعة إلى أسماع الخلیفة المعتصم وكان قد أوشك على قمع فتنة بابك الخرمی. وحكى الهاربون الفظائع التی ارتكبها الروم مع المسلمین، فاستعظم الخلیفة ما حدث، وأمر بعمامة الغزاة فاعتمّ بها، ونادى لساعته بالنفیر والاستعداد للحرب، وبعث بنجدة إلى أهل زبطرة بقیادة "عجیف بن عنبسة"، استطاعت أن ترد إلیها الهاربین من أهلها تطمئنهم، وفی هذه الأثناء تمكن "الأفشین" أبرع قادة المعتصم من القضاء على الفتنة وألقى القبض على بابك الخرمی فی (10 من شوال 222هـ = 16 من سبتمبر 837 م).
وكان المعتصم قد سأل: أی بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقیل: عموریة؛ لم یعرض لها أحد من المسلمین منذ كان الإسلام وهی عین النصرانیة، فسارع بتعبئة الحملة وتجهیز الجیش بكل ما یحتاجه، حتى قیل: إنه لم یتجهز قبله مثله، وخرج إلى عموریة فی (جمادى الأولى 223هـ= إبریل 838م) ولم تكن من عادة الحملات الكبرى الخروج فی ذلك الوقت، غیر أن الخلیفة كان متلهفا للقاء، ورفض قبول توقیت المنجّمین الذین تنبئوا بفشل الحملة إذا خرجت فی هذا التوقیت، وهذا ما عبر عنه الشاعر الكبیر "أبو تمام" فی بائیته الخالدة التی استهلها بقوله:
السیف أصدق أنبـاءً مـن الكتـبفی حدّه الحد بیـن الجـد واللعـب
بیض الصفائح لا سود الصحائف فیمتونهـن جـلاء الشـك والریـب
والعلم فی شهـب الأرمـاح لامعـةًبین الخمیسین لا فی السبعة الشهـب
أین الروایة؟ أم أین النجـوم؟ ومـاصاغوه من زخرف فیها ومن كذب
تخـرصًـا وأحادیـثـا ملـفـقـةلیست بنبـع إذا عُـدّت ولا غـرب
عجائبـا زعمـوا الأیـام مجفـلـةعنهن فی صفر الأصفار أو رجـب
فتح أنقرة
وعند "سروج" قسم المعتصم جیشه الجرار إلى فرقتین: الأولى بقیادة الأفشین، ووجهتها أنقرة، وسار هو بالفرقة الثانیة، وبعث "أشناس" بقسم منها إلى أنقرة ولكن من طریق آخر، وسار هو فی إثره، على أن یلتقی الجمیع عند أنقرة.
علم المعتصم من عیونه المنتشرین فی المنطقة أن الإمبراطور البیزنطی قد كمن شهرًا لملاقاة الجیش الإسلامی على غرّة، وأنه ذهب لمفاجأة الأفشین، وحاول الخلیفة أن یحذر قائده، لكنه لم یستطع، واصطدم الأفشین بقوات الإمبراطور عند "دزمون" وألحق الأفشین بالإمبراطور البیزنطی هزیمة مدویة فی (25 من شعبان 223 هـ= 838م) ولم یحل دون النصر الضباب الكثیف الذی أحاط بأرض المعركة أو المطر الغزیر الذی انهمر دون انقطاع، وهرب الإمبراطور إلى القسطنطینیة، وبقی قسم من جیشه فی عموریة بقیادة خاله "یاطس" حاكم "أناتولیا".
دخلت جیوش المعتصم أنقرة التی كانت قد أخلیت بعد هزیمة الإمبراطور، وتوجهت إلى عموریة فوافتها بعد عشرة أیام، وضربت علیها حصارًا شدیدًا.
حصار عموریة
بدأ الحصار فی (6 من رمضان 223هـ= 1 من أغسطس 838م)، وأحاطت الأبراج الحربیة بأسوار المدینة، فی الوقت نفسه بعث الإمبراطور البیزنطی برسوله یطلب الصلح، ویعتذر عما فعله جیشه بزبطرة، وتعهد بأن یبنیها ویردّ ما أخذه منها، ویفرج عن أسرى المسلمین الذین عنده، لكن الخلیفة رفض الصلح، ولم یأذن للرسول بالعودة حتى أنجز فتح عموریة.
ابتدأت المناوشات بتبادل قذف الحجارة ورمی السهام فقُتل كثیرون. وكان یمكن أن یستمر هذا الحصار مدة طویلة، لولا أن أسیرًا عربیًا قد أسره الروم دلّ الخلیفة المعتصم على جانب ضعیف فی السور، فأمر المعتصم بتكثیف الهجوم علیه حتى انهار، وانهارت معه قوى المدافعین عنه بعد أن یئسوا من المقاومة، واضطر قائد الحامیة "یاطس" إلى التسلیم، فدخل المعتصم وجنده مدینة عموریة فی (17 من رمضان 223هـ= 12 من أغسطس 838م). وقد سجل أبو تمام هذا النصر العظیم وخلّد ذكرى المعركة، فقال:
فتح الفتوح تعالى أن یحیـط بـه
نظمٌ من الشعر أو نثر من الخطب
فتح تفتّـح أبـواب السمـاء لـه
وتبرز الأرض فی أثوابها القشب
یا یوم وقعة عموریة انصرفـت
عنك المنى حُفّلا معسولة الحلـب
ثم یصور الأهوال التی نزلت بالمدینة حتى اضطرت إلى التسلیم تصویرا رائعًا، فیقول:
لقـد تركـتَ أمیـر المؤمنیـن بهـا
للنار یوما ذلیل الصخـب والخشـب
غادرت فیها بهیم اللیل وهو ضحـى
یشلّـه وسطهـا صبـح مـن اللهب
حتى كأن جلابیـب الدجـى رغبـت
عن لونها وكأن الشمـس لـم تغـب
خلیفـة الله جـازى الله سعیـك عـن
جرثومة الدیـن والإسـلام والحسَـب
بصرت بالراحة الكبرى فلـم ترهـا
تُنال إلا علـى جسـر مـن التعـب
إن كان بین صروف الدهر من رحـم
موصولة أو زمـام غیـر منقضـب
فبین أیامـك اللاتـی نُصـرت بهـا
وبیـن أیـام بـدرٍ أقـرب النسـب
أبقت بنی الأصفر الممراض كما سْمهم
صُفْرَ الوجوه وجلّت أوجـه العـرب
وبعد هذا النصر قرر المعتصم المسیر إلى القسطنطینیة، لكن هذا المشروع لم یقیض له أن ینفذ، بعد أن اكتشف المعتصم مؤامرة للتخلص منه دبرها بعض أقربائه، كما أن فتح القسطنطینیة یحتاج إلى قوى بحریة كبیرة لم یكن یملكها ساعتها، فتوقف المشروع إلى حین.
أما شاعرنا
244 ـ أبو تمام ( 188 ـ 231هـ = 804 ـ 846م )
فهو حبیب بن أوس بن الحارث الطائی، من حوران، من قریة جاسم، فی بلاد الشام. ولد فی أیام الرشید، وقیل اسم والده تَدْرَس، وكان نصرانیـاً فأسلم وتسمی أوس، وانتمی لقبیلة طیء. نشـأ أبو تمام فقیراً، فكان یعمل عند حائك ثیاب فی دمشق، ثم رحل إلی مصر. فكان وهو صغیر یسقى الماء فی جامع عمرو بن العاص، ویتردد علی مجالس الأدباء والعلماء، ویأخذ عنهم. وكان یتوقد ذكاء، ونظم الشعر فی فترة مبكرة من حیاته. ثم عاد من مصر إلی الشام. ویُعد أبوتمام من أعلام الشعر العربی فی العصر العباسی. عُرِف بخیاله الواسع، ویمتاز عن شعراء عصره بأنه صاحب مذهب جدید فی الشعر یغوص علی المعانی البعیدة، التی لا تُدرك إلاّ بإعمال الذهن والاعتماد على الفلسفة والمنطق فی عرض الأفكار. یعدُّ أول شاعر عربی عنی بالتألیف، فقد جمع مختارات من أجمل القصائد فی كتاب سماه ( الحماسة ). أكثر شعره فی الوصف والمدح والرثاء، له دیوان شعر مطبوع.
ومن مشهور شعره قصیدته فی فتح عموریة، التی مدح فیها الخلیفة المعتصم،
القصیدة
السَّیْـفُ أَصْـدَقُ أَنْبَـاءً مِـنَ الكُتُـبِ
فـی حَـدهِ الحَـدُّ بَیْـنَ الجِـد واللَّعِـبِ
بیضُ الصَّفَائِحِ لاَ سُودُ الصَّحَائِـفِ فـی
مُتُونِهـنَّ جـلاءُ الـشَّـك والـریَـبِ
والعِلْـمُ فـی شُهُـبِ الأَرْمَـاحِ لاَمِعَـةً
بَیْنَ الخَمِیسَیْـنِ لافـی السَّبْعَـةِ الشُّهُـبِ
أَیْنَ الروایَـةُ بَـلْ أَیْـنَ النُّجُـومُ وَمَـا
صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فیها ومـنْ كَـذِبِ
تَخَرُّصَـاً وأَحَادِیثـاً مُلَفَّـقَـةً لَیْـسَـتْ
بِـنَـبْـعٍ إِذَا عُـــدَّتْ ولاغَـــرَبِ
عَجَائِبـاً زَعَـمُـوا الأَیَّــامَ مُجْفِـلَـةً
عَنْهُنَّ فی صَفَـرِ الأَصْفَـار أَوْ رَجَـبِ
وخَوَّفُوا النـاسَ مِـنْ دَهْیَـاءَ مُظْلِمَـةٍ
إذَا بَـدَا الكَوْكَـبُ الْغَرْبِـیُّ ذُو الذَّنَـب
ِوَصَیَّـروا الأَبْـرجَ العُلْـیـا مُرَتِّـبَـةً
مَـا كَـانَ مُنْقَلِبـاً أَوْ غیْـرَ مُنْقَـلِـبِ
یقضون بالأمـرِ عنهـا وهْـیَ غافلـةٌ
مادار فـی فلـكٍ منهـا وفـی قُطُـبِ
لـو بیَّنـت قـطّ أَمـراً قبْـل مَوْقِعِـه
لم تُخْـفِ ماحـلَّ بالأوثـانِ والصُّلُـبِ
فَتْـحُ الفُتـوحِ تَعَالَـى أَنْ یُحیـطَ بِــهِ
نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ نَثْـرٌ مِـنَ الخُطَـبِ
فَتْـحٌ تفَتَّـحُ أَبْـوَابُ السَّـمَـاءِ لَــهُ
وتَبْـرزُ الأَرْضُ فـی أَثْوَابِهَـا القُشُـب
ِیَـا یَـوْمَ وَقْعَـةِ عَمُّوریَّـةَ انْصَرَفَـتْ
مِنْـكَ المُنَـى حُفَّـلاً مَعْسُولَـةَ الحَلَـبِ
أبقیْتَ جِدَّ بَنِـی الإِسـلامِ فـی صعَـدٍ
والمُشْرِكینَ ودَارَ الشـرْكِ فـی صَبَـب
ِأُمٌّ لَهُـمْ لَـوْ رَجَـوْا أَن تُفْتَـدى جَعَلُـوا
فدَاءَهَـا كُــلَّ أُمٍّ مِنْـهُـمُ وَأَبــوَبَ
رْزَةِ الوَجْـهِ قَـدْ أعْیَـتْ رِیَاضَتُـهَـا
كِسْرَى وصدَّتْ صُدُوداً عَنْ أَبِی كَـرِبِ
بِكْـرٌ فَمـا افْتَرَعَتْهَـا كَـفُّ حَـادِثَـةٍ
وَلا تَرَقَّـتْ إِلَیْـهَـا هِـمَّـةُ الـنُّـوَبِ
مِنْ عَهْـدِ إِسْكَنْـدَرٍ أَوْ قَبـل ذَلِـكَ قَـدْ
شَابَتْ نَواصِی اللَّیَالِی وهْـیَ لَـمْ تَشِـبِ
حَتَّـى إذَا مَخَّـضَ اللَّـهُ السنیـن لَهَـا
مَخْضَ البِخِیلَـةِ كانَـتْ زُبْـدَةَ الحِقَـبِ
أَتَتْهُـمُ الكُـرْبَـةُ الـسَّـوْدَاءُ سَــادِرَةً
مِنْهَـا وكـانَ اسْمُهَـا فَرَّاجَـةَ الكُرَبِـج
َرَى لَهَـا الفَـألُ بَرْحَـاً یَـوْمَ أنْـقِـرَةٍ
إذْ غُودِرَتْ وَحْشَةَ السَّاحَـاتِ والرِّحَـب
ِلمَّا رَأَتْ أُخْتَهـا بِالأَمْـسِ قَـدْ خَرِبَـتْ
كَانَ الْخَرَابُ لَهَا أَعْـدَى مـن الجَـرَبِ
كَمْ بَیْنَ حِیطَانِهَـا مِـنْ فَـارسٍ بَطَـلٍ
قَانِـی الذَّوائِـب مـن آنـی دَمٍ سَـربِ
بسُنَّـةِ السَّیْـفِ والخطـی مِـنْ دَمِــه
لاسُنَّـةِ الدیـن وَالإِسْـلاَمِ مُخْتَـضِـب
ِلَقَـدْ تَرَكـتَ أَمیـرَ الْمُؤْمنیـنَ بِـهـا
لِلنَّارِ یَوْمـاً ذَلیـلَ الصَّخْـرِ والخَشَـبِ
غَادَرْتَ فیها بَهِیمَ اللَّیْـلِ وَهْـوَ ضُحًـى
یَشُلُّـهُ وَسْطَهَـا صُبْـحٌ مِـنَ اللَّـهَـبِ
حَتَّى كَـأَنَّ جَلاَبیـبَ الدُّجَـى رَغِبَـتْ
عَنْ لَوْنِهَـا وكَـأَنَّ الشَّمْـسَ لَـم تَغِـبِ
ضَوْءٌ مِـنَ النَّـارِ والظَّلْمَـاءُ عاكِفَـةٌ
وَظُلْمَةٌ مِنَ دُخَانٍ فـی ضُحـىً شَحـبِ
فالشَّمْـسُ طَالِعَـةٌ مِـنْ ذَا وقـدْ أَفَلَـتْ
والشَّمْـسُ وَاجِبَـةٌ مِـنْ ذَا ولَـمْ تَجِـبِ
تَصَرَّحَ الدَّهْـرُ تَصْریـحَ الْغَمَـامِ لَهـا
عَنْ یَوْمِ هَیْجَـاءَ مِنْهَـا طَاهِـرٍ جُنُـبِ
لم تَطْلُعِ الشَّمْـسُ فیـهِ یَـومَ ذَاكَ علـى
بانٍ بأهلٍ وَلَـم تَغْـرُبْ علـى عَـزَبِ
مَا رَبْـعُ مَیَّـةَ مَعْمُـوراً یُطِیـفُ بِـهِ
غَیْلاَنُ أَبْهَى رُبىً مِـنْ رَبْعِهَـا الخَـرِبِ
ولا الْخُـدُودُ وقـدْ أُدْمیـنَ مِـنْ خجَـلٍ
أَشهى إلى ناظِری مِـنْ خَدهـا التَّـرِبِ
سَماجَـةً غنِیَـتْ مِنَّـا العُیـون بِـهـا
عَنْ كل حُسْـنٍ بَـدَا أَوْ مَنْظَـر عَجَـبِ
وحُسْـنُ مُنْقَـلَـبٍ تَبْـقـى عَوَاقِـبُـهُ
جَـاءَتْ بَشَاشَتُـهُ مِـنْ سُـوءِ مُنْقَلَـبِ
لَوْ یَعْلَمُ الْكُفْرُ كَمْ مِـنْ أَعْصُـرٍ كَمَنَـتْ
لَـهُ العَواقِـبُ بَیْـنَ السُّمْـرِ والقُضُـبِ
تَدْبیـرُ مُعْتَصِـمٍ بِاللَّـهِ مُنْتَقِـمٍ لِـلَّـهِ
مُرْتَـقِـبٍ فــی الـلَّـهِ مُـرْتَـغِـبِ
ومُطْعَـمِ النَّصـرِ لَـمْ تَكْهَـمْ أَسِنَّـتُـهُ
یوْماً ولاَ حُجِبَـتْ عَـنْ رُوحِ مُحْتَجِـب
ِلَمْ یَغْـزُ قَوْمـاً، ولَـمْ یَنْهَـدْ إلَـى بَلَـدٍ
إلاَّ تَقَدَّمَـهُ جَـیْـشٌ مِــنَ الـرعُـب
ِلَوْ لَمْ یَقُدْ جَحْفَلاً، یَـوْمَ الْوَغَـى، لَغَـدا
مِنْ نَفْسِهِ، وَحْدَهَا، فـی جَحْفَـلٍ لَجِـبِ
رَمَـى بِـكَ اللَّـهُ بُرْجَیْهَـا فَهَدَّمَـهـا
ولَوْ رَمَى بِكَ غَیْـرُ اللَّـهِ لَـمْ یُصِـبِ
مِـنْ بَعْـدِ مـا أَشَّبُوهـا واثقیـنَ بِهَـا
واللَّـهُ مِفْتـاحُ بَـابِ المَعقِـل الأَشِـبِ
وقـال ذُو أَمْرِهِـمْ لا مَرْتَـعٌ صَــدَدٌ
للسَّارِحینَ ولیْـسَ الـوِرْدُ مِـنْ كَثَـبِ
أَمانیاً سَلَبَتْهُـمْ نُجْـحَ هَاجِسِهـا ظُبَـى
السُّیُـوفِ وأَطْـرَاف القـنـا السُّـلُـبِ
إنَّ الحِمَامَیْنِ مِـنْ بِیـضٍ ومِـنْ سُمُـرٍ
دَلْوَا الحیاتین مِـن مَـاءٍ ومـن عُشُـبٍ
لَبَّیْـتَ صَوْتـاً زِبَطْرِیّـاً هَرَقْـتَ لَـهُ
كَأْسَ الكَرَى وَرُضَابَ الخُـرَّدِ العُـرُبِ
عَداكَ حَـرُّ الثُّغُـورِ المُسْتَضَامَـةِ عَـنْ
بَرْدِ الثُّغُور وعَـنْ سَلْسَالِهـا الحَصِـبِ
أَجَبْتَهُ مُعْلِنـاً بالسَّیْـفِ مُنْصَلِتـاً وَلَـوْ
أَجَبْـتَ بِغَیْـرِ السَّیْـفِ لَــمْ تُـجِـبِ
حتّى تَرَكْـتَ عَمـود الشـرْكِ مُنْعَفِـراً
ولَـم تُعَـرجْ عَلـى الأَوتَـادِ وَالطُّنُـب
ِلَمَّا رَأَى الحَـرْبَ رَأْیَ العیـن تُوفَلِـسٌ
والحَرْبُ مُشْتَقَّةُ المَعْنَـى مِـنَ الحَـرَبِ
غَـدَا یُصَـرفُ بِالأَمْـوال جِرْیَتَـهـا
فَعَـزَّهُ البَحْـرُ ذُو التَّیـارِ والـحَـدَبِ
هَیْهَاتَ! زُعْزعَتِ الأَرْضُ الوَقُـورُ بِـهِ
عَن غَـزْوِ مُحْتَسِـبٍ لاغـزْو مُكتسِـبِ
لـمْ یُنفِـق الذهَـبَ المُرْبـی بكَثْـرَتِـهِ
على الحَصَى وبِـهِ فَقْـرٌ إلـى الذَّهَـبِ
إنَّ الأُسُـودَ أسـودَ الغـیـلِ همَّتُـهـا
یَومَ الكَرِیهَةِ فـی المَسْلـوب لا السَّلـبِ
وَلَّـى، وَقَـدْ أَلجَـمَ الخطـیُّ مَنْطِـقَـهُ
بِسَكْتَةٍ تَحْتَهـا الأَحْشَـاءُ فـی صخَـبِ
أَحْذَى قَرَابینه صَرْفَ الـرَّدَى ومَضـى
یَحْتَـثُّ أَنْجـى مَطَایـاهُ مِـن الهَرَبِـم
ُوَكلاً بِیَفَاعِ الأرْضِ یُشْرِفُـهُ مِـنْ خِفّـةِ
الخَـوْفِ لامِــنْ خِـفَّـةِ الـطـرَبِ
إنْ یَعْدُ مِنْ حَرهَـا عَـدْوَ الظَّلِیـم، فَقَـدْ
أَوْسَعْتَ جاحِمَهـا مِـنْ كَثْـرَةِ الحَطَـبِ
تِسْعُونَ أَلْفـاً كآسـادِ الشَّـرَى نَضِجَـتْ
جُلُودُهُـمْ قَبْـلَ نُضْـجِ التیـنِ والعِنَـبِ
یارُبَّ حَوْبَاءَ لمَّا اجْتُثَّ دَابِرُهُـمْ طابَـتْ
ولَـوْ ضُمخَـتْ بالمِسْـكِ لـم تَـطِـبِ
ومُغْضَبٍ رَجَعَتْ بِیـضُ السُّیُـوفِ بِـهِ
حَیَّ الرضَا مِنْ رَدَاهُمْ مَیـتَ الغَضَـب
ِوالحَرْبُ قائمَةٌ فی مـأْزِقٍ لَجِـجٍ تَجْثُـو
القِیَـامُ بِـه صُغْـراً علـى الـرُّكَـبِ
كَمْ نِیلَ تحتَ سَناهَـا مِـن سَنـا قمَـرٍ
وتَحْتَ عارِضِها مِـنْ عَـارِضٍ شَنِـبِ
كَمْ كَانَ فی قَطْعِ أَسبَـاب الرقَـاب بِهـا
إلـى المُخَـدَّرَةِ العَـذْرَاءِ مِـنَ سَبَـبِ
كَمْ أَحْـرَزَتْ قُضُـبُ الهنْـدِی مُصْلَتَـةً
تَهْتَزُّ مِـنْ قُضُـبٍ تَهْتَـزُّ فـی كُثُـبِ
بیـضٌ، إذَا انتُضِیَـتْ مِـن حُجْبِـهَـا،
رَجعَتْ أَحَقُّ بالبیض أتْرَاباً مِنَ الحُجُـبِ
خَلِیفَةَ اللَّهِ جـازَى اللَّـهُ سَعْیَـكَ عَـنْ
جُرْثُومَـةِ الدیْـنِ والإِسْـلاَمِ والحَسَبِـبَ
صُرْتَ بالرَّاحَـةِ الكُبْـرَى فَلَـمْ تَرَهـا
تُنَـالُ إلاَّ علـى جسْـرٍ مِـنَ التَّـعـبِ
إن كـان بَیْـنَ صُـرُوفِ الدَّهْـرِ مِـن
رَحِمٍ مَوْصُولَةٍ أَوْ ذِمَامٍ غیْـرِ مُنْقَضِـب
ِفبَیْـنَ أیَّامِـكَ اللاَّتـی نُصِـرْتَ بِهَـا
وبَیْـنَ أیَّـامِ بَـدْرٍ أَقْــرَبُ النَّـسَـب
ِأَبْقَـتْ بَنـی الأصْـفَـر المِـمْـرَاضِ
كاسْمِهمُ صُفْرَ الوجُوهِ وجلَّتْ أَوْجُهَ العَرَبِ
الهدف من دراسة النص الأدبی :
الوقوف على إبداعات الأدیب فی نصه وماتجلى فیه
من جمالیات جعلت القارئ ینفعل بها ویتأثر
مثلما انفعل بها الأدیب من قبل وتأثر ؛ انفعالاً وتأثراً یجعلانه
مشدوداً إلى مافی النص من سمات فنیة ترقى بالأدب , ومن
قیم موضوعیة تسمو بالإنسان إلى مراقی التقدم والكمال .
صفات الناقد الجید
-سلامة الذوق ؛ لأن المتنبی یقول :
ومن یك ذا فم مریض ,,, یجد مراً به الماء الزلالا .
-دقة الحس , فلابد من أن یتجاوب الناقد والأثر الأدبی
وینفعل به انفعالاً عمیقاً , فینتقل بكل حواسه إلى الجو
الذی عاش فیه الأدیب ویتقمص شخصیته .
- التجرد , فلایكون لهواه منفذاً إلى حكمه , فقد أنصف
النقاد المسلمون قبلاً الأخطل النصرانی , فینبغی أن لایكون
للهوا سلطان على حكم الناقد .
قبل تحلیل النص :
- معرفة الأدیب ( فالأدب یفسر الأدیب ,
وحیاة الأدیب تفسر الأدب )
فبعض النصوص الخالدة لانستطیع فهمها إلا بمعرفة قائلیها ,
ولانستطیع أن نعلل بعض الظواهر الأدبیة إلا بذلك
( لم أجاد الحطیئة الهجاء ولم یجد الفخر؟!!!)
علماً بأن من الباحثین من یرى إبعاد الآثار الأدبیة عن أجوائها.
-المناسبة :
وهی السبب المباشر لإنشاء النص , فالقصیدة
كالبركان یعتمل بالتوتر تحت سطح الأرض وساعة انفجاره تأتی متأخرة عن ساعة تكوینه , وهناك فئة من النقاد ترى
إبعاد النص عن مناسبته , وعن صاحبه لكی یحلل النص دون
نظر إلى الظروف المحیطة به , وهذا صحیح , ولكن المناسبة كالضوء الذی یساعدنا على رؤیة ماتحت النص , وعلى الدارس
أن لایغرق فی دراسة مناسبة النص وقائله , فتكون دراسة نفسیة .
- الزمان والمكان :
فمعرفة الزمان مهمة لمعرفة تطور الأجناس , والظواهر الأدبیة
ولمعرفة فضل من تقدم ومزیة من تأخر , ومعرفة المكان
تساعد على وصف الظواهر الأدبیة وتفسیرها , فأدب الصحراء
یختلف عن أدب المدینة , وأدب الریف یمتاز عن أدبی المدینة
والصحراء .
- قراءة النص :
على دارس النص أن یخلص إلى قراءة النص قراءة صحیحة
واعیة , تفحص عن فهمه له , وإحساسه به , ووقوفه على
مضمونه .
# تحلیل النص :
وهنا یتناول الشكل والمضمون كل على
حدة , دون أن ینسى أنهما مرتبطان بلا انفصال .
عناصر النص الأدبی:
الشكل :
1-بناء القصیدة:
- المطلع .
-الخاتمة .
-الطول .
-الوحدة .
2- اللغة ( الأسلوب ).
3- الصورة الأدبیة .
4- الموسیقا .
المضمون :
1- الأفكار .
2- العاطفة
أولاً : الشكل /
المطلع :
البیت الأول فاتحة القصیدة متى ماعثر علیها الشاعر انصب على موضوعه لأنه المفتاح الذی یدخل به المتلقی إلى فضاء النص .
# من الشروط التی حددت لجودة المطلع :
1-أن یكون خالیاً من المآخذ النحویة .
2- أن یكون معبراً عن مضمون النص وأن تراعى فیه جودة اللفظ
والمعنى معاً, ومن المطالع التی توحی بموضوعها قول أبی تمام :
السیف أصدق أنباء من الكتب ... فی حده الحد بین الجد واللعب
فموضوعها هنا ( الحرب والحماسة ).
كذلك لابد أن لا یكون مما یتشاءم منه أو یتطیر به , بل حسن الوقع على النفس بعیداً عن التعقید , واضحاً سلس النغم والجرس .
3-إن لم یكن رائعاً فینبغی أن لایكون بارداً كقول أبی العتاهیة :
ألا مالسیدتی مالها ... أدلاًّ فأحمل إدلالها
فمثل هذا الكلام لایناسب فی بدایة قصیدة تلقى بمناسبة اجتماعیةكبیرة یبایع فیها المهدی بالخلافة.
4-أن یكون نادراً انفرد الشاعر باختراعه كقول المتنبی :
الرأی قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهی المحل الثانی
ب الخاتمة :
استحسن نقادنا الأقدمون أن یكون البیت الأخیر مختاراً رائعاً
لأنه آخر ما یرتسم فی النفس ویعیه السمع.
وأحسن الانتهاء ماجمع الجودة والإشعار بتمام الكلام .
ومن ذلك قول علی السنوسی فی قصیدته ( كیف أصبحت )
كیف أصبحت وماذا تصنعین ... وإلى أی مكان تنظرین
ینعی على الأمة الإسلامیة ماوصلت إلیه من ذلة وهوان أمام أعدائها
ویثیر الحماسة لاسترداد الحقوق المسلوبة , فیختم القصیدة
بهذا البیت الملیء حماسة :
أفما آن لنا یاأمتی ... أن نرد الصاع للمستهترین
الطول /
لم یحدد القدماء طولاً معیناً للقصیدة ,
وكان شعراء العرب یمیلون إلى القصائد القصیرة لأسباب فنیة
واجتماعیة ونفسیة
منها : الرغبة فی التنقیح , والاكتفاء بماقل ودل .
ومنها :أن القصیدة القصیرة أروج وأسیر عند الحفاظ والرواة .
ومنها : حرصهم على تجنیب السامع السآمة والملل .
والمعدل المألوف الذی اتفق علیها شعراء المعلقات
ومن بعدهم حتى العصر الأموی یراوح بین ( 20--> 50 بیتاً ).
فالطول یحدد باعتبار المتلقی وباعتبار الوقت وكذا القائل
ویحدد بالتجربة الشعریة والثروة اللغویة .
وبالغرض من القصیدة , وبالوزن والقافیة , وكان ابن الرومی
یمیل إلى الأوزان والقوافی التی تساعد على إطالة القصیدة .
الوحدة :
وهی إما موضوعیة أو عضویة
1-الوحدة الموضوعیة :
إذا كان النص فی موضوع واحد , فهو ذو وحدة موضوعیة
فتكون القصیدة مدحاً أو وصفاً أو رثاءاً ......., وأغلب
الشعراء القدماء لم یلتزموا بوحدة الموضوع .
ولیست وحدة الموضوع أن یكون النص مدیحاً أو غزلاً
أو رثاءاً فحسب بل أن یكون النص مراعیاً مقتضى الحال
أی ( الغرض الأساس من القصیدة ).
2-الوحدة العضویة :
فلابد أن تكون عملاً فنیاً تاماً , فهی كالجسم الحی یقوم
كل قسم منها مقام جهاز من أجهزته , ولایغنی عنه غیره
فی موضعه إلا كما تغنی الأذن عن العین أو القدم عن الكف
أو القلب عن المعدة .
ومن علامات الوحدة العضویة براعة الأسلوب القصصی الذی
یساعد على الترابط والتلاحم فی القصیدة .
والوحدة العضویة فی الأدب القصصی أصل من أصوله
ولایجوز إهماله ولایمكن أن یسمى العمل الأدبی قصة بدونه
لأن القصة مبنیة على تلاحم الأجزاء مرتبة تعتمد على توالی
الأحداث وتأثیرها فی نفوس المتلقین .
الحدیث عن أبی تمام ..
الإسلام فی شعره .. بقلم: صدقی البیك
إنه حبیب بن أوس الطائی، خرج من إحدى قرى حوران فی جنوب سوریة، وأصبح شاعر المعتصم ومن حوله من القواد والولاة.
وإذا بدأنا بقصیدته (فتح عموریة) وجدناها تزخر بهذه المفاهیم، فالأبیات التی تفتتح بها القصیدة تمثل مفهوماً إسلامیاً واضحاً وهو محاربة الشعوذة وادعاء علم الغیب «كذب المنجمون ولو صدقوا» فلو كانت هذه الأجرام السماویة تدل على المستقبل لكشفت ما بمعالم الكفر:
لو بینت قط أمراً قبل موقعه
لم تخف ماحل بالأوثان والصلب
ولكن النصر الذی وفضح زیف المنجمین وكذبهم، كان فتحاً مبیناً وعملاً صالحاً یتقبله رب السماء.
فتح تفتح أبواب السماء له
وتبرز الأرض فی أثوابها القشب
وعندما یخاطب المعتصم یبین له أن مافعله كان رفعاً لنصیب الإسلام وقعراً لعمود الشرك، فالمعركة بین الإسلام والشرك، وأحدهما فی صعود والآخر فی انحدار:
أبقیت جد بنی الإسلام فی صعد
والمشركین ودار الشرك فی صبب
ویتمنى لو أن الكفر كان یعلم أن عاقبة أمره مرهونة بسیوف المسلمین من زمن سحیق، وأن ذلك التدمیر والإیقاع بالعدو هو من تدبیر رجل یعتصم بحبل الله وكل عمله لله:
لو یعلم الكفر كم من أعصر كنت
له العواقب بین السمر والقضب
تدبیـر معتصم بالله، منتقـم
لله، مرتقـب فی الله مرتغـب
ویختم قصیدته بالدعاء للخلیفة بأن یجزیه الله خیر الجزاء على ما قدمه من الخیر والنصر للإسلام، فإن هناك رابطة قویة تشد هذه المعركة إلى أختها فی بدر.
خلیفة الله جازى الله سعیك عن
جرثومة الدین والإسلام والحسب
فبین أیامك اللاتی نصرت بها
وبین أیـام بدر أقرب النسـب
قصة فتح عموریة
فی تاریخ الطبری 9 \ 56-57 و الكامل فی التاریخ 6 \ 479 و ما بعدها , و النجوم الزاهرة 2 \ 238 .فی الحدیث عن السبب فی غزو المعتصم بالله لعموریة :
خرج توفیل بن میخایل ملك الروم إلى بلاد المسلمین فی سنة ثلاث و عشرین و مئتین , و أوقع بأهل زبطرة و غیرها , و یقال :
قتل من بها من رجال و سبى الذریة و النساء , و أغار على أهل ملطیة و غیرها من حصون المسلمین , و سبى المسلمات , و مثل بمن صار فی یده من المسلمین و سمل أعینهم , و قطع أنوفهم و آذانهم .
فبلغ الخبر المعتصم فاستعظمه , و كبر لدیه , و بلغه أیضاً أن إمرأة هاشمیة صاحت و هی أسیرة فی ید الروم :
وا معتصماه !
فأجابها و هو جالس على سریره :
لبیك لبیك !
و نهض من ساعته , و صاح فی قصره :
النفیر النفیر
ثم ركب دابته , و سمّط خلفه حقیبة فیها زاده , فلم یمكنه المسیر إلا بعد التعبئة , و جمع العساكر , فجلس فی دار العامة و أحضر قاضی بغداد و آخرین من أهل العدل , فأشهدهم على ماله فجعل ثلثاً لولده و ثلثاً لله تعالى و ثلثاً لموالیه .
ثم سار فعسكر بغربی دجلة للیلتین خلتا من جمادى الأولى و و وجه مجموعة من قواده إلى زبطرة معونة لأهلها , فوجدوا ملك الروم قد إنصرف عنها إلى بلاده , بعدما فعل ما فعل , فوقفوا حتى تراجع الناس إلى قراهم و اطمأنوا .
فلما ظفر المعتصم ببابك قال : أی بلاد الروم أمنع و أحصن ؟ فقیل : عموریة , لم یتعرض لها أحد منذ كان الإسلام , و هی عین النصرانیة , و هی أشرف عندهم من القسطنطینیة . فسار المعتصم إلیها و قیل : كان مسیره فی سنة اثنین و عشرین , و قیل : أربعة و عشرین , و تجهز جهازاً لم یتجهزه خلیفة قبله قط من السلاح , و العدة و الآلة , غیرها
و لما علم بذلك الروم فقالوا :
و الله إنا لنروی أنه لا یفتحها إلا أولاد الزنا !
و إن هؤلاء أقاموا إلى زمان التین و العنب لا یفلت منهم أحداً !
فبلغ ذلك المعتصم فقال :
أما "إلى وقت التین و العنب " فأرجو أن ینصرنی الله قبل ذلك , و أما" أن یفتحها أولاد الزنا " فما أرید أكثر ممن معی منهم
فجهز جیشه و أعد عدده و خرج للغزو .
و یقال : لما نزل المعتصم على عموریة هجم الشتاء , فأرسل إلیه أهلها أن عموریة لا تفتح إلا بعد نضج التین و العنب .
و یقال : أن بعض من كان بعموریة من الرهبان قال :
إنا نجد فی كتبنا أنه لا یفتح عموریة إلا ملك یغرس فی ظهرها التین و الكرم , و یقیم حتى تثمر , فأمر المعتصم بأن یغرس التین و الكرم فكان فتحها قبل ذلك .
و یقول السیوطی : و كان لما تجهز المعتصم بالله لغزو عموریة حكم المنجمون أن ذلك طالع نحس , و أنه یكسر , فكان من نصره و ظفره ما لم یخفَ ( انظر : تاریخ الخلفاء ص 336 ) .
قلنا أن المعتصم تجهز جهازاً لم یتجهزه خلیفة قط من السلاح و العدد , و توجه إلى بلاد الروم , فأقام عند نهر اللمیس فیها , و هو عند سلوقیة قریباً من البحر و أراد المعتصم أن یوقع الرعب فی قلوب الروم قبل أن یصل إلى عموریة و لهذاّ دبّر النزول على أنقرة , فإذا فتحها الله علیه صار إلى عموریة , إذ لم یكن مما یقصد له فی بلاد الروم أعظم من هاتین المدینتین , و الأحرى أن تجعل غایته التی یؤمها .
و تمكن من تدمیر أنقرة أسر جنودها و قتل فرسانها و سبی نسائها ثم جعل العسكر ثلاث عساكر میمنة و میسرة و قلب و أمر كل عسكر أن یكون له میمنة و میسرة و امرهم ان یحرقوا القرى و یخربوها و بأخذوا من لحقوا فیها ففعلوا حتى وافوا عموریة , و داروا حولها و قام المعتصم بتقسیم عموریة بین قواده , و جعل لكل منهم أبراجا منها على قدر أصحابه , و علم أن موقعا من المدینة وقع سوره من سیل قد أتاه , فبنی وجهه بالأحجار و لم یدعم ما وراءه فرأى المعتصم ذلك المكان فأمر فضربت له خیمة هناك و نصب المجانیق على ذلك الموضع , فانفرج السور عن ذلك الموضع و اندفع المسلمون و هم یكبرون , و تفرقت الروم عن أماكنها و قد غلبهم الرعب فجعل المسلمون یقتلونهم فی كل مكان حیث وجدوهم , و أخذ المسلمون من عموریة أموالاً لا تعد و لا توصف , فحملوا منها ما أمكن حمله , و أمر المعتصم بتهدیم أبراجها , و إحراق ما بقی منها , و إحراق ما بقی من المجانیق و الآلات كی لا یتقوى بها الروم على شیء من حرب المسلمین , و كانت إقامته فی عموریة خمسة و عشرین یوماً لا غیر .
وما إن تولى المعتصم الخلافة حتى انصرف بكلیته للقضاء على فتنة بابك الخرمی مهما كلفه الأمر، وخاصة بعد أن شغلت الخلافة سنوات طویلة، وأنهكت میزانیة الدولة، وأهلكت الرجال والأبطال. واستغلت الدولیة البیزنطیة انشغال الخلیفة المعتصم بالقضاء على تلك الفتنة الهوجاء وراحت تعتدی على حدود الدولة العباسیة، وجهزت لذلك جیشًا ضخمًا قادة إمبراطور الدولة، حیث هاجم شمال الشام والجزیرة.
وكان بابك الخرمی -حین ضاق علیه الحصار، واشتد الخناق علیه، وأیقن ألا مفر من الاستسلام- قد اتصل بإمبراطور الروم یحرضه على غزو الدولة العباسیة؛ لیخف الحصار علیه، وزین له أمر الهجوم بأن معظم جیوش الدولة مشغول بالقضاء علیه، ولم یبق فی العاصمة قوة تدافع عنها، ووعده باعتناق المسیحیة هو وأتباعه.
عزز ذلك الأمر من رغبة الإمبراطور فی الهجوم على الدولة العباسیة، ودخل بقواته مدینة "زبطرة" التی تقع على الثغور وكانت تخرج منها الغزوات ضد الروم. وقتل الجیش البیزنطی من بداخل المدینة من الرجال، ثم انتقل إلى "ملطیة" المجاورة، فأغار علیها وعلى كثیر من الحصون، ومثّل الجیش الرومی بمن وقع فی یده من المسلمین، وسمل أعینهم، وقطع آذانهم وأنوفهم، وسبى أكثر من ألف امرأة مسلمة، ورجع الجیش البیزنطی إلى القسطنطینیة فرحًا بما حقق، واستُقبل من أهلها استقبالا رائعًا.
النفیر
وصلت هذه الأنباء المروعة إلى أسماع الخلیفة المعتصم وكان قد أوشك على قمع فتنة بابك الخرمی. وحكى الهاربون الفظائع التی ارتكبها الروم مع المسلمین، فاستعظم الخلیفة ما حدث، وأمر بعمامة الغزاة فاعتمّ بها، ونادى لساعته بالنفیر والاستعداد للحرب، وبعث بنجدة إلى أهل زبطرة بقیادة "عجیف بن عنبسة"، استطاعت أن ترد إلیها الهاربین من أهلها تطمئنهم، وفی هذه الأثناء تمكن "الأفشین" أبرع قادة المعتصم من القضاء على الفتنة وألقى القبض على بابك الخرمی فی (10 من شوال 222هـ = 16 من سبتمبر 837 م).
وكان المعتصم قد سأل: أی بلاد الروم أمنع وأحصن؟ فقیل: عموریة؛ لم یعرض لها أحد من المسلمین منذ كان الإسلام وهی عین النصرانیة، فسارع بتعبئة الحملة وتجهیز الجیش بكل ما یحتاجه، حتى قیل: إنه لم یتجهز قبله مثله، وخرج إلى عموریة فی (جمادى الأولى 223هـ= إبریل 838م) ولم تكن من عادة الحملات الكبرى الخروج فی ذلك الوقت، غیر أن الخلیفة كان متلهفا للقاء، ورفض قبول توقیت المنجّمین الذین تنبئوا بفشل الحملة إذا خرجت فی هذا التوقیت، وهذا ما عبر عنه الشاعر الكبیر "أبو تمام" فی بائیته الخالدة التی استهلها بقوله:
السیف أصدق أنبـاءً مـن الكتـبفی حدّه الحد بیـن الجـد واللعـب
بیض الصفائح لا سود الصحائف فیمتونهـن جـلاء الشـك والریـب
والعلم فی شهـب الأرمـاح لامعـةًبین الخمیسین لا فی السبعة الشهـب
أین الروایة؟ أم أین النجـوم؟ ومـاصاغوه من زخرف فیها ومن كذب
تخـرصًـا وأحادیـثـا ملـفـقـةلیست بنبـع إذا عُـدّت ولا غـرب
عجائبـا زعمـوا الأیـام مجفـلـةعنهن فی صفر الأصفار أو رجـب
فتح أنقرة
وعند "سروج" قسم المعتصم جیشه الجرار إلى فرقتین: الأولى بقیادة الأفشین، ووجهتها أنقرة، وسار هو بالفرقة الثانیة، وبعث "أشناس" بقسم منها إلى أنقرة ولكن من طریق آخر، وسار هو فی إثره، على أن یلتقی الجمیع عند أنقرة.
علم المعتصم من عیونه المنتشرین فی المنطقة أن الإمبراطور البیزنطی قد كمن شهرًا لملاقاة الجیش الإسلامی على غرّة، وأنه ذهب لمفاجأة الأفشین، وحاول الخلیفة أن یحذر قائده، لكنه لم یستطع، واصطدم الأفشین بقوات الإمبراطور عند "دزمون" وألحق الأفشین بالإمبراطور البیزنطی هزیمة مدویة فی (25 من شعبان 223 هـ= 838م) ولم یحل دون النصر الضباب الكثیف الذی أحاط بأرض المعركة أو المطر الغزیر الذی انهمر دون انقطاع، وهرب الإمبراطور إلى القسطنطینیة، وبقی قسم من جیشه فی عموریة بقیادة خاله "یاطس" حاكم "أناتولیا".
دخلت جیوش المعتصم أنقرة التی كانت قد أخلیت بعد هزیمة الإمبراطور، وتوجهت إلى عموریة فوافتها بعد عشرة أیام، وضربت علیها حصارًا شدیدًا.
حصار عموریة
بدأ الحصار فی (6 من رمضان 223هـ= 1 من أغسطس 838م)، وأحاطت الأبراج الحربیة بأسوار المدینة، فی الوقت نفسه بعث الإمبراطور البیزنطی برسوله یطلب الصلح، ویعتذر عما فعله جیشه بزبطرة، وتعهد بأن یبنیها ویردّ ما أخذه منها، ویفرج عن أسرى المسلمین الذین عنده، لكن الخلیفة رفض الصلح، ولم یأذن للرسول بالعودة حتى أنجز فتح عموریة.
ابتدأت المناوشات بتبادل قذف الحجارة ورمی السهام فقُتل كثیرون. وكان یمكن أن یستمر هذا الحصار مدة طویلة، لولا أن أسیرًا عربیًا قد أسره الروم دلّ الخلیفة المعتصم على جانب ضعیف فی السور، فأمر المعتصم بتكثیف الهجوم علیه حتى انهار، وانهارت معه قوى المدافعین عنه بعد أن یئسوا من المقاومة، واضطر قائد الحامیة "یاطس" إلى التسلیم، فدخل المعتصم وجنده مدینة عموریة فی (17 من رمضان 223هـ= 12 من أغسطس 838م). وقد سجل أبو تمام هذا النصر العظیم وخلّد ذكرى المعركة، فقال:
فتح الفتوح تعالى أن یحیـط بـه
نظمٌ من الشعر أو نثر من الخطب
فتح تفتّـح أبـواب السمـاء لـه
وتبرز الأرض فی أثوابها القشب
یا یوم وقعة عموریة انصرفـت
عنك المنى حُفّلا معسولة الحلـب
ثم یصور الأهوال التی نزلت بالمدینة حتى اضطرت إلى التسلیم تصویرا رائعًا، فیقول:
لقـد تركـتَ أمیـر المؤمنیـن بهـا
للنار یوما ذلیل الصخـب والخشـب
غادرت فیها بهیم اللیل وهو ضحـى
یشلّـه وسطهـا صبـح مـن اللهب
حتى كأن جلابیـب الدجـى رغبـت
عن لونها وكأن الشمـس لـم تغـب
خلیفـة الله جـازى الله سعیـك عـن
جرثومة الدیـن والإسـلام والحسَـب
بصرت بالراحة الكبرى فلـم ترهـا
تُنال إلا علـى جسـر مـن التعـب
إن كان بین صروف الدهر من رحـم
موصولة أو زمـام غیـر منقضـب
فبین أیامـك اللاتـی نُصـرت بهـا
وبیـن أیـام بـدرٍ أقـرب النسـب
أبقت بنی الأصفر الممراض كما سْمهم
صُفْرَ الوجوه وجلّت أوجـه العـرب
وبعد هذا النصر قرر المعتصم المسیر إلى القسطنطینیة، لكن هذا المشروع لم یقیض له أن ینفذ، بعد أن اكتشف المعتصم مؤامرة للتخلص منه دبرها بعض أقربائه، كما أن فتح القسطنطینیة یحتاج إلى قوى بحریة كبیرة لم یكن یملكها ساعتها، فتوقف المشروع إلى حین.
أما شاعرنا
244 ـ أبو تمام ( 188 ـ 231هـ = 804 ـ 846م )
فهو حبیب بن أوس بن الحارث الطائی، من حوران، من قریة جاسم، فی بلاد الشام. ولد فی أیام الرشید، وقیل اسم والده تَدْرَس، وكان نصرانیـاً فأسلم وتسمی أوس، وانتمی لقبیلة طیء. نشـأ أبو تمام فقیراً، فكان یعمل عند حائك ثیاب فی دمشق، ثم رحل إلی مصر. فكان وهو صغیر یسقى الماء فی جامع عمرو بن العاص، ویتردد علی مجالس الأدباء والعلماء، ویأخذ عنهم. وكان یتوقد ذكاء، ونظم الشعر فی فترة مبكرة من حیاته. ثم عاد من مصر إلی الشام. ویُعد أبوتمام من أعلام الشعر العربی فی العصر العباسی. عُرِف بخیاله الواسع، ویمتاز عن شعراء عصره بأنه صاحب مذهب جدید فی الشعر یغوص علی المعانی البعیدة، التی لا تُدرك إلاّ بإعمال الذهن والاعتماد على الفلسفة والمنطق فی عرض الأفكار. یعدُّ أول شاعر عربی عنی بالتألیف، فقد جمع مختارات من أجمل القصائد فی كتاب سماه ( الحماسة ). أكثر شعره فی الوصف والمدح والرثاء، له دیوان شعر مطبوع.
ومن مشهور شعره قصیدته فی فتح عموریة، التی مدح فیها الخلیفة المعتصم،
القصیدة
السَّیْـفُ أَصْـدَقُ أَنْبَـاءً مِـنَ الكُتُـبِ
فـی حَـدهِ الحَـدُّ بَیْـنَ الجِـد واللَّعِـبِ
بیضُ الصَّفَائِحِ لاَ سُودُ الصَّحَائِـفِ فـی
مُتُونِهـنَّ جـلاءُ الـشَّـك والـریَـبِ
والعِلْـمُ فـی شُهُـبِ الأَرْمَـاحِ لاَمِعَـةً
بَیْنَ الخَمِیسَیْـنِ لافـی السَّبْعَـةِ الشُّهُـبِ
أَیْنَ الروایَـةُ بَـلْ أَیْـنَ النُّجُـومُ وَمَـا
صَاغُوه مِنْ زُخْرُفٍ فیها ومـنْ كَـذِبِ
تَخَرُّصَـاً وأَحَادِیثـاً مُلَفَّـقَـةً لَیْـسَـتْ
بِـنَـبْـعٍ إِذَا عُـــدَّتْ ولاغَـــرَبِ
عَجَائِبـاً زَعَـمُـوا الأَیَّــامَ مُجْفِـلَـةً
عَنْهُنَّ فی صَفَـرِ الأَصْفَـار أَوْ رَجَـبِ
وخَوَّفُوا النـاسَ مِـنْ دَهْیَـاءَ مُظْلِمَـةٍ
إذَا بَـدَا الكَوْكَـبُ الْغَرْبِـیُّ ذُو الذَّنَـب
ِوَصَیَّـروا الأَبْـرجَ العُلْـیـا مُرَتِّـبَـةً
مَـا كَـانَ مُنْقَلِبـاً أَوْ غیْـرَ مُنْقَـلِـبِ
یقضون بالأمـرِ عنهـا وهْـیَ غافلـةٌ
مادار فـی فلـكٍ منهـا وفـی قُطُـبِ
لـو بیَّنـت قـطّ أَمـراً قبْـل مَوْقِعِـه
لم تُخْـفِ ماحـلَّ بالأوثـانِ والصُّلُـبِ
فَتْـحُ الفُتـوحِ تَعَالَـى أَنْ یُحیـطَ بِــهِ
نَظْمٌ مِن الشعْرِ أَوْ نَثْـرٌ مِـنَ الخُطَـبِ
فَتْـحٌ تفَتَّـحُ أَبْـوَابُ السَّـمَـاءِ لَــهُ
وتَبْـرزُ الأَرْضُ فـی أَثْوَابِهَـا القُشُـب
ِیَـا یَـوْمَ وَقْعَـةِ عَمُّوریَّـةَ انْصَرَفَـتْ
مِنْـكَ المُنَـى حُفَّـلاً مَعْسُولَـةَ الحَلَـبِ
أبقیْتَ جِدَّ بَنِـی الإِسـلامِ فـی صعَـدٍ
والمُشْرِكینَ ودَارَ الشـرْكِ فـی صَبَـب
ِأُمٌّ لَهُـمْ لَـوْ رَجَـوْا أَن تُفْتَـدى جَعَلُـوا
فدَاءَهَـا كُــلَّ أُمٍّ مِنْـهُـمُ وَأَبــوَبَ
رْزَةِ الوَجْـهِ قَـدْ أعْیَـتْ رِیَاضَتُـهَـا
كِسْرَى وصدَّتْ صُدُوداً عَنْ أَبِی كَـرِبِ
بِكْـرٌ فَمـا افْتَرَعَتْهَـا كَـفُّ حَـادِثَـةٍ
وَلا تَرَقَّـتْ إِلَیْـهَـا هِـمَّـةُ الـنُّـوَبِ
مِنْ عَهْـدِ إِسْكَنْـدَرٍ أَوْ قَبـل ذَلِـكَ قَـدْ
شَابَتْ نَواصِی اللَّیَالِی وهْـیَ لَـمْ تَشِـبِ
حَتَّـى إذَا مَخَّـضَ اللَّـهُ السنیـن لَهَـا
مَخْضَ البِخِیلَـةِ كانَـتْ زُبْـدَةَ الحِقَـبِ
أَتَتْهُـمُ الكُـرْبَـةُ الـسَّـوْدَاءُ سَــادِرَةً
مِنْهَـا وكـانَ اسْمُهَـا فَرَّاجَـةَ الكُرَبِـج
َرَى لَهَـا الفَـألُ بَرْحَـاً یَـوْمَ أنْـقِـرَةٍ
إذْ غُودِرَتْ وَحْشَةَ السَّاحَـاتِ والرِّحَـب
ِلمَّا رَأَتْ أُخْتَهـا بِالأَمْـسِ قَـدْ خَرِبَـتْ
كَانَ الْخَرَابُ لَهَا أَعْـدَى مـن الجَـرَبِ
كَمْ بَیْنَ حِیطَانِهَـا مِـنْ فَـارسٍ بَطَـلٍ
قَانِـی الذَّوائِـب مـن آنـی دَمٍ سَـربِ
بسُنَّـةِ السَّیْـفِ والخطـی مِـنْ دَمِــه
لاسُنَّـةِ الدیـن وَالإِسْـلاَمِ مُخْتَـضِـب
ِلَقَـدْ تَرَكـتَ أَمیـرَ الْمُؤْمنیـنَ بِـهـا
لِلنَّارِ یَوْمـاً ذَلیـلَ الصَّخْـرِ والخَشَـبِ
غَادَرْتَ فیها بَهِیمَ اللَّیْـلِ وَهْـوَ ضُحًـى
یَشُلُّـهُ وَسْطَهَـا صُبْـحٌ مِـنَ اللَّـهَـبِ
حَتَّى كَـأَنَّ جَلاَبیـبَ الدُّجَـى رَغِبَـتْ
عَنْ لَوْنِهَـا وكَـأَنَّ الشَّمْـسَ لَـم تَغِـبِ
ضَوْءٌ مِـنَ النَّـارِ والظَّلْمَـاءُ عاكِفَـةٌ
وَظُلْمَةٌ مِنَ دُخَانٍ فـی ضُحـىً شَحـبِ
فالشَّمْـسُ طَالِعَـةٌ مِـنْ ذَا وقـدْ أَفَلَـتْ
والشَّمْـسُ وَاجِبَـةٌ مِـنْ ذَا ولَـمْ تَجِـبِ
تَصَرَّحَ الدَّهْـرُ تَصْریـحَ الْغَمَـامِ لَهـا
عَنْ یَوْمِ هَیْجَـاءَ مِنْهَـا طَاهِـرٍ جُنُـبِ
لم تَطْلُعِ الشَّمْـسُ فیـهِ یَـومَ ذَاكَ علـى
بانٍ بأهلٍ وَلَـم تَغْـرُبْ علـى عَـزَبِ
مَا رَبْـعُ مَیَّـةَ مَعْمُـوراً یُطِیـفُ بِـهِ
غَیْلاَنُ أَبْهَى رُبىً مِـنْ رَبْعِهَـا الخَـرِبِ
ولا الْخُـدُودُ وقـدْ أُدْمیـنَ مِـنْ خجَـلٍ
أَشهى إلى ناظِری مِـنْ خَدهـا التَّـرِبِ
سَماجَـةً غنِیَـتْ مِنَّـا العُیـون بِـهـا
عَنْ كل حُسْـنٍ بَـدَا أَوْ مَنْظَـر عَجَـبِ
وحُسْـنُ مُنْقَـلَـبٍ تَبْـقـى عَوَاقِـبُـهُ
جَـاءَتْ بَشَاشَتُـهُ مِـنْ سُـوءِ مُنْقَلَـبِ
لَوْ یَعْلَمُ الْكُفْرُ كَمْ مِـنْ أَعْصُـرٍ كَمَنَـتْ
لَـهُ العَواقِـبُ بَیْـنَ السُّمْـرِ والقُضُـبِ
تَدْبیـرُ مُعْتَصِـمٍ بِاللَّـهِ مُنْتَقِـمٍ لِـلَّـهِ
مُرْتَـقِـبٍ فــی الـلَّـهِ مُـرْتَـغِـبِ
ومُطْعَـمِ النَّصـرِ لَـمْ تَكْهَـمْ أَسِنَّـتُـهُ
یوْماً ولاَ حُجِبَـتْ عَـنْ رُوحِ مُحْتَجِـب
ِلَمْ یَغْـزُ قَوْمـاً، ولَـمْ یَنْهَـدْ إلَـى بَلَـدٍ
إلاَّ تَقَدَّمَـهُ جَـیْـشٌ مِــنَ الـرعُـب
ِلَوْ لَمْ یَقُدْ جَحْفَلاً، یَـوْمَ الْوَغَـى، لَغَـدا
مِنْ نَفْسِهِ، وَحْدَهَا، فـی جَحْفَـلٍ لَجِـبِ
رَمَـى بِـكَ اللَّـهُ بُرْجَیْهَـا فَهَدَّمَـهـا
ولَوْ رَمَى بِكَ غَیْـرُ اللَّـهِ لَـمْ یُصِـبِ
مِـنْ بَعْـدِ مـا أَشَّبُوهـا واثقیـنَ بِهَـا
واللَّـهُ مِفْتـاحُ بَـابِ المَعقِـل الأَشِـبِ
وقـال ذُو أَمْرِهِـمْ لا مَرْتَـعٌ صَــدَدٌ
للسَّارِحینَ ولیْـسَ الـوِرْدُ مِـنْ كَثَـبِ
أَمانیاً سَلَبَتْهُـمْ نُجْـحَ هَاجِسِهـا ظُبَـى
السُّیُـوفِ وأَطْـرَاف القـنـا السُّـلُـبِ
إنَّ الحِمَامَیْنِ مِـنْ بِیـضٍ ومِـنْ سُمُـرٍ
دَلْوَا الحیاتین مِـن مَـاءٍ ومـن عُشُـبٍ
لَبَّیْـتَ صَوْتـاً زِبَطْرِیّـاً هَرَقْـتَ لَـهُ
كَأْسَ الكَرَى وَرُضَابَ الخُـرَّدِ العُـرُبِ
عَداكَ حَـرُّ الثُّغُـورِ المُسْتَضَامَـةِ عَـنْ
بَرْدِ الثُّغُور وعَـنْ سَلْسَالِهـا الحَصِـبِ
أَجَبْتَهُ مُعْلِنـاً بالسَّیْـفِ مُنْصَلِتـاً وَلَـوْ
أَجَبْـتَ بِغَیْـرِ السَّیْـفِ لَــمْ تُـجِـبِ
حتّى تَرَكْـتَ عَمـود الشـرْكِ مُنْعَفِـراً
ولَـم تُعَـرجْ عَلـى الأَوتَـادِ وَالطُّنُـب
ِلَمَّا رَأَى الحَـرْبَ رَأْیَ العیـن تُوفَلِـسٌ
والحَرْبُ مُشْتَقَّةُ المَعْنَـى مِـنَ الحَـرَبِ
غَـدَا یُصَـرفُ بِالأَمْـوال جِرْیَتَـهـا
فَعَـزَّهُ البَحْـرُ ذُو التَّیـارِ والـحَـدَبِ
هَیْهَاتَ! زُعْزعَتِ الأَرْضُ الوَقُـورُ بِـهِ
عَن غَـزْوِ مُحْتَسِـبٍ لاغـزْو مُكتسِـبِ
لـمْ یُنفِـق الذهَـبَ المُرْبـی بكَثْـرَتِـهِ
على الحَصَى وبِـهِ فَقْـرٌ إلـى الذَّهَـبِ
إنَّ الأُسُـودَ أسـودَ الغـیـلِ همَّتُـهـا
یَومَ الكَرِیهَةِ فـی المَسْلـوب لا السَّلـبِ
وَلَّـى، وَقَـدْ أَلجَـمَ الخطـیُّ مَنْطِـقَـهُ
بِسَكْتَةٍ تَحْتَهـا الأَحْشَـاءُ فـی صخَـبِ
أَحْذَى قَرَابینه صَرْفَ الـرَّدَى ومَضـى
یَحْتَـثُّ أَنْجـى مَطَایـاهُ مِـن الهَرَبِـم
ُوَكلاً بِیَفَاعِ الأرْضِ یُشْرِفُـهُ مِـنْ خِفّـةِ
الخَـوْفِ لامِــنْ خِـفَّـةِ الـطـرَبِ
إنْ یَعْدُ مِنْ حَرهَـا عَـدْوَ الظَّلِیـم، فَقَـدْ
أَوْسَعْتَ جاحِمَهـا مِـنْ كَثْـرَةِ الحَطَـبِ
تِسْعُونَ أَلْفـاً كآسـادِ الشَّـرَى نَضِجَـتْ
جُلُودُهُـمْ قَبْـلَ نُضْـجِ التیـنِ والعِنَـبِ
یارُبَّ حَوْبَاءَ لمَّا اجْتُثَّ دَابِرُهُـمْ طابَـتْ
ولَـوْ ضُمخَـتْ بالمِسْـكِ لـم تَـطِـبِ
ومُغْضَبٍ رَجَعَتْ بِیـضُ السُّیُـوفِ بِـهِ
حَیَّ الرضَا مِنْ رَدَاهُمْ مَیـتَ الغَضَـب
ِوالحَرْبُ قائمَةٌ فی مـأْزِقٍ لَجِـجٍ تَجْثُـو
القِیَـامُ بِـه صُغْـراً علـى الـرُّكَـبِ
كَمْ نِیلَ تحتَ سَناهَـا مِـن سَنـا قمَـرٍ
وتَحْتَ عارِضِها مِـنْ عَـارِضٍ شَنِـبِ
كَمْ كَانَ فی قَطْعِ أَسبَـاب الرقَـاب بِهـا
إلـى المُخَـدَّرَةِ العَـذْرَاءِ مِـنَ سَبَـبِ
كَمْ أَحْـرَزَتْ قُضُـبُ الهنْـدِی مُصْلَتَـةً
تَهْتَزُّ مِـنْ قُضُـبٍ تَهْتَـزُّ فـی كُثُـبِ
بیـضٌ، إذَا انتُضِیَـتْ مِـن حُجْبِـهَـا،
رَجعَتْ أَحَقُّ بالبیض أتْرَاباً مِنَ الحُجُـبِ
خَلِیفَةَ اللَّهِ جـازَى اللَّـهُ سَعْیَـكَ عَـنْ
جُرْثُومَـةِ الدیْـنِ والإِسْـلاَمِ والحَسَبِـبَ
صُرْتَ بالرَّاحَـةِ الكُبْـرَى فَلَـمْ تَرَهـا
تُنَـالُ إلاَّ علـى جسْـرٍ مِـنَ التَّـعـبِ
إن كـان بَیْـنَ صُـرُوفِ الدَّهْـرِ مِـن
رَحِمٍ مَوْصُولَةٍ أَوْ ذِمَامٍ غیْـرِ مُنْقَضِـب
ِفبَیْـنَ أیَّامِـكَ اللاَّتـی نُصِـرْتَ بِهَـا
وبَیْـنَ أیَّـامِ بَـدْرٍ أَقْــرَبُ النَّـسَـب
ِأَبْقَـتْ بَنـی الأصْـفَـر المِـمْـرَاضِ
كاسْمِهمُ صُفْرَ الوجُوهِ وجلَّتْ أَوْجُهَ العَرَبِ
الهدف من دراسة النص الأدبی :
الوقوف على إبداعات الأدیب فی نصه وماتجلى فیه
من جمالیات جعلت القارئ ینفعل بها ویتأثر
مثلما انفعل بها الأدیب من قبل وتأثر ؛ انفعالاً وتأثراً یجعلانه
مشدوداً إلى مافی النص من سمات فنیة ترقى بالأدب , ومن
قیم موضوعیة تسمو بالإنسان إلى مراقی التقدم والكمال .
صفات الناقد الجید
-سلامة الذوق ؛ لأن المتنبی یقول :
ومن یك ذا فم مریض ,,, یجد مراً به الماء الزلالا .
-دقة الحس , فلابد من أن یتجاوب الناقد والأثر الأدبی
وینفعل به انفعالاً عمیقاً , فینتقل بكل حواسه إلى الجو
الذی عاش فیه الأدیب ویتقمص شخصیته .
- التجرد , فلایكون لهواه منفذاً إلى حكمه , فقد أنصف
النقاد المسلمون قبلاً الأخطل النصرانی , فینبغی أن لایكون
للهوا سلطان على حكم الناقد .
قبل تحلیل النص :
- معرفة الأدیب ( فالأدب یفسر الأدیب ,
وحیاة الأدیب تفسر الأدب )
فبعض النصوص الخالدة لانستطیع فهمها إلا بمعرفة قائلیها ,
ولانستطیع أن نعلل بعض الظواهر الأدبیة إلا بذلك
( لم أجاد الحطیئة الهجاء ولم یجد الفخر؟!!!)
علماً بأن من الباحثین من یرى إبعاد الآثار الأدبیة عن أجوائها.
-المناسبة :
وهی السبب المباشر لإنشاء النص , فالقصیدة
كالبركان یعتمل بالتوتر تحت سطح الأرض وساعة انفجاره تأتی متأخرة عن ساعة تكوینه , وهناك فئة من النقاد ترى
إبعاد النص عن مناسبته , وعن صاحبه لكی یحلل النص دون
نظر إلى الظروف المحیطة به , وهذا صحیح , ولكن المناسبة كالضوء الذی یساعدنا على رؤیة ماتحت النص , وعلى الدارس
أن لایغرق فی دراسة مناسبة النص وقائله , فتكون دراسة نفسیة .
- الزمان والمكان :
فمعرفة الزمان مهمة لمعرفة تطور الأجناس , والظواهر الأدبیة
ولمعرفة فضل من تقدم ومزیة من تأخر , ومعرفة المكان
تساعد على وصف الظواهر الأدبیة وتفسیرها , فأدب الصحراء
یختلف عن أدب المدینة , وأدب الریف یمتاز عن أدبی المدینة
والصحراء .
- قراءة النص :
على دارس النص أن یخلص إلى قراءة النص قراءة صحیحة
واعیة , تفحص عن فهمه له , وإحساسه به , ووقوفه على
مضمونه .
# تحلیل النص :
وهنا یتناول الشكل والمضمون كل على
حدة , دون أن ینسى أنهما مرتبطان بلا انفصال .
عناصر النص الأدبی:
الشكل :
1-بناء القصیدة:
- المطلع .
-الخاتمة .
-الطول .
-الوحدة .
2- اللغة ( الأسلوب ).
3- الصورة الأدبیة .
4- الموسیقا .
المضمون :
1- الأفكار .
2- العاطفة
أولاً : الشكل /
المطلع :
البیت الأول فاتحة القصیدة متى ماعثر علیها الشاعر انصب على موضوعه لأنه المفتاح الذی یدخل به المتلقی إلى فضاء النص .
# من الشروط التی حددت لجودة المطلع :
1-أن یكون خالیاً من المآخذ النحویة .
2- أن یكون معبراً عن مضمون النص وأن تراعى فیه جودة اللفظ
والمعنى معاً, ومن المطالع التی توحی بموضوعها قول أبی تمام :
السیف أصدق أنباء من الكتب ... فی حده الحد بین الجد واللعب
فموضوعها هنا ( الحرب والحماسة ).
كذلك لابد أن لا یكون مما یتشاءم منه أو یتطیر به , بل حسن الوقع على النفس بعیداً عن التعقید , واضحاً سلس النغم والجرس .
3-إن لم یكن رائعاً فینبغی أن لایكون بارداً كقول أبی العتاهیة :
ألا مالسیدتی مالها ... أدلاًّ فأحمل إدلالها
فمثل هذا الكلام لایناسب فی بدایة قصیدة تلقى بمناسبة اجتماعیةكبیرة یبایع فیها المهدی بالخلافة.
4-أن یكون نادراً انفرد الشاعر باختراعه كقول المتنبی :
الرأی قبل شجاعة الشجعان ... هو أول وهی المحل الثانی
ب الخاتمة :
استحسن نقادنا الأقدمون أن یكون البیت الأخیر مختاراً رائعاً
لأنه آخر ما یرتسم فی النفس ویعیه السمع.
وأحسن الانتهاء ماجمع الجودة والإشعار بتمام الكلام .
ومن ذلك قول علی السنوسی فی قصیدته ( كیف أصبحت )
كیف أصبحت وماذا تصنعین ... وإلى أی مكان تنظرین
ینعی على الأمة الإسلامیة ماوصلت إلیه من ذلة وهوان أمام أعدائها
ویثیر الحماسة لاسترداد الحقوق المسلوبة , فیختم القصیدة
بهذا البیت الملیء حماسة :
أفما آن لنا یاأمتی ... أن نرد الصاع للمستهترین
الطول /
لم یحدد القدماء طولاً معیناً للقصیدة ,
وكان شعراء العرب یمیلون إلى القصائد القصیرة لأسباب فنیة
واجتماعیة ونفسیة
منها : الرغبة فی التنقیح , والاكتفاء بماقل ودل .
ومنها :أن القصیدة القصیرة أروج وأسیر عند الحفاظ والرواة .
ومنها : حرصهم على تجنیب السامع السآمة والملل .
والمعدل المألوف الذی اتفق علیها شعراء المعلقات
ومن بعدهم حتى العصر الأموی یراوح بین ( 20--> 50 بیتاً ).
فالطول یحدد باعتبار المتلقی وباعتبار الوقت وكذا القائل
ویحدد بالتجربة الشعریة والثروة اللغویة .
وبالغرض من القصیدة , وبالوزن والقافیة , وكان ابن الرومی
یمیل إلى الأوزان والقوافی التی تساعد على إطالة القصیدة .
الوحدة :
وهی إما موضوعیة أو عضویة
1-الوحدة الموضوعیة :
إذا كان النص فی موضوع واحد , فهو ذو وحدة موضوعیة
فتكون القصیدة مدحاً أو وصفاً أو رثاءاً ......., وأغلب
الشعراء القدماء لم یلتزموا بوحدة الموضوع .
ولیست وحدة الموضوع أن یكون النص مدیحاً أو غزلاً
أو رثاءاً فحسب بل أن یكون النص مراعیاً مقتضى الحال
أی ( الغرض الأساس من القصیدة ).
2-الوحدة العضویة :
فلابد أن تكون عملاً فنیاً تاماً , فهی كالجسم الحی یقوم
كل قسم منها مقام جهاز من أجهزته , ولایغنی عنه غیره
فی موضعه إلا كما تغنی الأذن عن العین أو القدم عن الكف
أو القلب عن المعدة .
ومن علامات الوحدة العضویة براعة الأسلوب القصصی الذی
یساعد على الترابط والتلاحم فی القصیدة .
والوحدة العضویة فی الأدب القصصی أصل من أصوله
ولایجوز إهماله ولایمكن أن یسمى العمل الأدبی قصة بدونه
لأن القصة مبنیة على تلاحم الأجزاء مرتبة تعتمد على توالی
الأحداث وتأثیرها فی نفوس المتلقین .
الحدیث عن أبی تمام ..
الإسلام فی شعره .. بقلم: صدقی البیك
إنه حبیب بن أوس الطائی، خرج من إحدى قرى حوران فی جنوب سوریة، وأصبح شاعر المعتصم ومن حوله من القواد والولاة.
وإذا بدأنا بقصیدته (فتح عموریة) وجدناها تزخر بهذه المفاهیم، فالأبیات التی تفتتح بها القصیدة تمثل مفهوماً إسلامیاً واضحاً وهو محاربة الشعوذة وادعاء علم الغیب «كذب المنجمون ولو صدقوا» فلو كانت هذه الأجرام السماویة تدل على المستقبل لكشفت ما بمعالم الكفر:
لو بینت قط أمراً قبل موقعه
لم تخف ماحل بالأوثان والصلب
ولكن النصر الذی وفضح زیف المنجمین وكذبهم، كان فتحاً مبیناً وعملاً صالحاً یتقبله رب السماء.
فتح تفتح أبواب السماء له
وتبرز الأرض فی أثوابها القشب
وعندما یخاطب المعتصم یبین له أن مافعله كان رفعاً لنصیب الإسلام وقعراً لعمود الشرك، فالمعركة بین الإسلام والشرك، وأحدهما فی صعود والآخر فی انحدار:
أبقیت جد بنی الإسلام فی صعد
والمشركین ودار الشرك فی صبب
ویتمنى لو أن الكفر كان یعلم أن عاقبة أمره مرهونة بسیوف المسلمین من زمن سحیق، وأن ذلك التدمیر والإیقاع بالعدو هو من تدبیر رجل یعتصم بحبل الله وكل عمله لله:
لو یعلم الكفر كم من أعصر كنت
له العواقب بین السمر والقضب
تدبیـر معتصم بالله، منتقـم
لله، مرتقـب فی الله مرتغـب
ویختم قصیدته بالدعاء للخلیفة بأن یجزیه الله خیر الجزاء على ما قدمه من الخیر والنصر للإسلام، فإن هناك رابطة قویة تشد هذه المعركة إلى أختها فی بدر.
خلیفة الله جازى الله سعیك عن
جرثومة الدین والإسلام والحسب
فبین أیامك اللاتی نصرت بها
وبین أیـام بدر أقرب النسـب
قصة فتح عموریة
فی تاریخ الطبری 9 \ 56-57 و الكامل فی التاریخ 6 \ 479 و ما بعدها , و النجوم الزاهرة 2 \ 238 .فی الحدیث عن السبب فی غزو المعتصم بالله لعموریة :
خرج توفیل بن میخایل ملك الروم إلى بلاد المسلمین فی سنة ثلاث و عشرین و مئتین , و أوقع بأهل زبطرة و غیرها , و یقال :
قتل من بها من رجال و سبى الذریة و النساء , و أغار على أهل ملطیة و غیرها من حصون المسلمین , و سبى المسلمات , و مثل بمن صار فی یده من المسلمین و سمل أعینهم , و قطع أنوفهم و آذانهم .
فبلغ الخبر المعتصم فاستعظمه , و كبر لدیه , و بلغه أیضاً أن إمرأة هاشمیة صاحت و هی أسیرة فی ید الروم :
وا معتصماه !
فأجابها و هو جالس على سریره :
لبیك لبیك !
و نهض من ساعته , و صاح فی قصره :
النفیر النفیر
ثم ركب دابته , و سمّط خلفه حقیبة فیها زاده , فلم یمكنه المسیر إلا بعد التعبئة , و جمع العساكر , فجلس فی دار العامة و أحضر قاضی بغداد و آخرین من أهل العدل , فأشهدهم على ماله فجعل ثلثاً لولده و ثلثاً لله تعالى و ثلثاً لموالیه .
ثم سار فعسكر بغربی دجلة للیلتین خلتا من جمادى الأولى و و وجه مجموعة من قواده إلى زبطرة معونة لأهلها , فوجدوا ملك الروم قد إنصرف عنها إلى بلاده , بعدما فعل ما فعل , فوقفوا حتى تراجع الناس إلى قراهم و اطمأنوا .
فلما ظفر المعتصم ببابك قال : أی بلاد الروم أمنع و أحصن ؟ فقیل : عموریة , لم یتعرض لها أحد منذ كان الإسلام , و هی عین النصرانیة , و هی أشرف عندهم من القسطنطینیة . فسار المعتصم إلیها و قیل : كان مسیره فی سنة اثنین و عشرین , و قیل : أربعة و عشرین , و تجهز جهازاً لم یتجهزه خلیفة قبله قط من السلاح , و العدة و الآلة , غیرها
و لما علم بذلك الروم فقالوا :
و الله إنا لنروی أنه لا یفتحها إلا أولاد الزنا !
و إن هؤلاء أقاموا إلى زمان التین و العنب لا یفلت منهم أحداً !
فبلغ ذلك المعتصم فقال :
أما "إلى وقت التین و العنب " فأرجو أن ینصرنی الله قبل ذلك , و أما" أن یفتحها أولاد الزنا " فما أرید أكثر ممن معی منهم
فجهز جیشه و أعد عدده و خرج للغزو .
و یقال : لما نزل المعتصم على عموریة هجم الشتاء , فأرسل إلیه أهلها أن عموریة لا تفتح إلا بعد نضج التین و العنب .
و یقال : أن بعض من كان بعموریة من الرهبان قال :
إنا نجد فی كتبنا أنه لا یفتح عموریة إلا ملك یغرس فی ظهرها التین و الكرم , و یقیم حتى تثمر , فأمر المعتصم بأن یغرس التین و الكرم فكان فتحها قبل ذلك .
و یقول السیوطی : و كان لما تجهز المعتصم بالله لغزو عموریة حكم المنجمون أن ذلك طالع نحس , و أنه یكسر , فكان من نصره و ظفره ما لم یخفَ ( انظر : تاریخ الخلفاء ص 336 ) .
قلنا أن المعتصم تجهز جهازاً لم یتجهزه خلیفة قط من السلاح و العدد , و توجه إلى بلاد الروم , فأقام عند نهر اللمیس فیها , و هو عند سلوقیة قریباً من البحر و أراد المعتصم أن یوقع الرعب فی قلوب الروم قبل أن یصل إلى عموریة و لهذاّ دبّر النزول على أنقرة , فإذا فتحها الله علیه صار إلى عموریة , إذ لم یكن مما یقصد له فی بلاد الروم أعظم من هاتین المدینتین , و الأحرى أن تجعل غایته التی یؤمها .
و تمكن من تدمیر أنقرة أسر جنودها و قتل فرسانها و سبی نسائها ثم جعل العسكر ثلاث عساكر میمنة و میسرة و قلب و أمر كل عسكر أن یكون له میمنة و میسرة و امرهم ان یحرقوا القرى و یخربوها و بأخذوا من لحقوا فیها ففعلوا حتى وافوا عموریة , و داروا حولها و قام المعتصم بتقسیم عموریة بین قواده , و جعل لكل منهم أبراجا منها على قدر أصحابه , و علم أن موقعا من المدینة وقع سوره من سیل قد أتاه , فبنی وجهه بالأحجار و لم یدعم ما وراءه فرأى المعتصم ذلك المكان فأمر فضربت له خیمة هناك و نصب المجانیق على ذلك الموضع , فانفرج السور عن ذلك الموضع و اندفع المسلمون و هم یكبرون , و تفرقت الروم عن أماكنها و قد غلبهم الرعب فجعل المسلمون یقتلونهم فی كل مكان حیث وجدوهم , و أخذ المسلمون من عموریة أموالاً لا تعد و لا توصف , فحملوا منها ما أمكن حمله , و أمر المعتصم بتهدیم أبراجها , و إحراق ما بقی منها , و إحراق ما بقی من المجانیق و الآلات كی لا یتقوى بها الروم على شیء من حرب المسلمین , و كانت إقامته فی عموریة خمسة و عشرین یوماً لا غیر .
+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در چهارشنبه ۱۱ فروردین ۱۳۸۹و ساعت 18:58|