(1288ـ1348هـ/1871ـ1930م)
أحمد تیمور علامة بالتراث العرب، وباحث شامل فیه، ولاسیما فی فنون اللغة والأدب والتاریخ، وأحد رجال النهضة العربیة، ومنشئ أعظم مكتبة خاصة فی الشرق فی العصر الحدیث. كان لشمائله الشخصیة ولمكتبته أثر بالغ فی عصره، نوَّه به علماء العصر وأدباؤه ومفكروه. وهو والد الأدیبین المجددین الرائدین فی فنون القصة والمسرح والتمثیل: الأدیب الكبیر واللغوی محمود تیمور[ر]، ومحمد تیمور.
![]() |
قدم جده تیمور بن محمد بن إسماعیل إلى مصر من الموصل فی عهد محمد علی باشا الكبیر (1804-1848)، واتصل به، وكان من قادة جنده وكبار ولاته. وقد تولى أبوه عدة مناصب فی زمن الخدیوی عباس وسعید وإسماعیل وصار رئیساً لدیوان الخدیوی.
توفی أبوه سنة 1289هـ وله من العمر مئة یوم، فقامت على تربیته أخته الأدیبة الشاعرة عائشة تیمور[ر]، وزوج أخته محمد توفیق الذی كانت مكتبته أول مكتبة غنیة تقع علیها عینا الطفل النابغ.
كان تلمیذاً فی مدرسة مارسیل الفرنسیة بضع سنوات، ثم انقطع عنها لیتلقى فی داره أنواع العلوم على أیدی أساتیذ وعلماء، وفیها تعلم التركیة وشیئاً من الفارسیة، لیستعین بهما فیما بعد فی مباحثه البالغة الاتساع.
اتصلت أسبابه بطائفة من أعیان علماء عصره كان لأربعة منهم خاصة أثر فی تكوینه الثقافی والعلمی فی صباه ویفاعته وشبابه وهم: الشیخ رضوان المخللاتی (ت 1311هـ)، وهو من ثقات العلماء بالقرآن الكریم والقراءات، سمع منه تیمور فی داره. والشیخ حسن الطویل (ت 1317هـ) فیلسوف الأزهر، و«شیخ الشیوخ وأستاذ الأستاذین، وأحد من تفرد فی مصر بالبراعة فی المعقول والمنقول» كما قال تیمور فیه. والعلامة اللغوی محمد محمود بن أحمد التُّركزی الشنقیطی (ت 1322هـ) وهو خاتمة علماء اللغة وحفاظها على طریقة المتقدمین. وكان أخذ تیمور عنه نقطة تحول متزاید فی اهتماماته العلمیة باتجاه اللغة ومباحثها. والشیخ محمد عبده (ت 1323هـ) بلغ من حب تیمور له وإعجابه به أنه اشترى داراً بجوار داره بعین شمس، ونقل إلیها مكتبته من القاهرة لیكون قریباً منه. وستشهد هذه الدار مجالس علمیة حافلة، تؤمها كوكبة لامعة من مفكری مصر وعلمائها وأدبائها، أو من الطارئین علیها، وسیكون معها أحیاناً الشیخ نفسه، قطبها الذی علیه تدور. ومن هؤلاء سعد زغلول، وفتحی زغلول، وقاسم أمین، وعبد العزیز جاویش، ومحمود سامی البارودی، وإسماعیل صبری، وحافظ إبراهیم، وأحمد الإسكندری، ومحمد كرد علی.
وكانت مجالس العلم التی تنعقد فی داره فی درب سعادة مصدراً آخر من مصادر تكوینه العلمی المتین.
ومن أكبر الشخصیات التی اتصل بها تیمور بعد الشنقیطی ومحمد عبده العلامة الشیخ طاهر الجزائری الدمشقی، وكان قد بقی فی مصر ثلاثة عشر عاماً، انتهت سنة 1919 وهی السنة التی أسس فیها المجمع العلمی العربی (مجمع اللغة العربیة الیوم) الذی سیكون أحد أعضائه المؤسسین. وكان تیمور شدید الحرص على لقاء الجزائری، یتجاذبان حدیث النوادر والنفائس فی المكتبة العربیة، وهی هوى الرجلین المشترك الكبیر.
أكبر آثار تیمور، على كثرتها وجلالة قدرها، مكتبته الفریدة التی شرع فی تكوینها وهو دون العشرین وكانت قد بلغت سنة 1330هـ/1911م نحو ثمانیة آلاف مجلد، قریب من نصفها مخطوط: أصلٌ، أو مصورٌ بالتصویر الشمسی، أو منسوخ؛ فضلاً عن المواد العلمیة المختلفة الأخرى، كالآلات الفلكیة والمصورات الجغرافیة والصور ذات القیمة التاریخیة، التی صور بعضها بنفسه بحس تاریخی مرهف.
انصرف تیمور عن الحیاة العامة، وأنفق عمره فی ترتیب مكتبته وفهرستها واستخراج الفوائد العلمیة منها، وبذلها وبذل عمله العظیم فیها لكل مستفید من الشرق والغرب،إلى الحد الذی أدهش معاصریه، وكانت مادتها العظیمة ذات أثر كبیر فی أعمال علمیة مشهورة، كان یزود أصحابها ابتداء بمواد ثمینة یتعذر الوصول إلیها على غیره بمجرد معرفته بأغراضهم فیها، ثم تمم على ذلك كله فوقف علیها الأوقاف الطائلة، وأهداها لدار الكتب المصریة، لتكون درة أقسامها الثمینة.
راسل تیمور العلماء من الشرق والغرب وراسلوه، فی مختلف مسائل العلم ومشكلاته، وأجاب على رسائلهم، ورفدهم بما احتاجوا إلیه. وربما بلغت رسائله الآلاف، فیها من نوادر العلم كل نفیس. رسائله الخاصة إلى محمد كرد علی فقط مئة وأربعون رسالة، سوى رسائله إلى المجمع الذی كان من أوائل أعضائه، إلى كونه عضواً فی المجمع العلمی المصری، وفی مجلس إدارة دار الآثار العربیة، ومجلس الشیوخ؛ وكانت وفاته بعلة القلب قبل إنشاء مجمع القاهرة بسنوات قلیلة.
كتب تیمور فی صحف عصره ومجلاته مثل «المؤید» و«الأهرام»، و«مجلة مجمع دمشق» و«المقتطف» و«الضیاء» و«الهلال» و«المقتبس» و«الزهراء».
طبع بعض مصنفاته فی حیاته، وطبع أكثر منها بعد وفاته. منها: «التصویر عند العرب» و«ذیل طبقات الأطباء» و«حیاة المعری وعقیدته» و«تصحیح لسان العرب» و«تصحیح القاموس المحیط» و«معجم الأمثال العامیة»، و«معجمه الكبیر فی الألفاظ العامیة وبیان معانیها وأصولها اللغویة العربیة». وهذان المعجمان الأخیران خاصة من غرائب تیمور، لبعده فی الظاهر من مخالطة الناس، مع معرفته الواسعة والعمیقة بمخاطباتهم وأمثالهم كما یدل علیها هذان المعجمان.
المراجع:
حمد كرد علی، محاضرات المجمع، المجلد الثانی (دمشق 1931 ونشر عام 1954).
ـ مجلة المجمع العلمی العربی، العددان 8 ـ 11 (دمشق 1931).
ـ مجلة الزهراء، العدد 5 (القاهرة).