ابزار وبمستر

الجاهلیّة فی الأدب العربی/ بقلم یاسر زابیه

الجاهلیّة فی الأدب العربی/ بقلم یاسر زابیه

الجاهلیّة فی الأدب العربی (أقسامها و مفهومها):
1- أقسامها:
یسمّی مُؤرخو الأدب الفترة التی عاشها العرب قبل ظهور الإسلام بالجاهلّیة و قَسّموها إلی قسمین: الجاهلیة الأولی، و الجاهلیة الثانیة.
أ- الجاهلیة الأولی:
هی الفترة التی سبقت الجاهلیة الثانیة وتعود الی الماضی البعید، و تُطلق علی قبل ولادة المسیح (ع) و بعدها حسب قول الباحثین ،و هی الفترة التی لانعرف من أدبها شیئاً.
ب- الجاهلیة الثانیة:
هی الفترة التی تلی الجاهلیة الأولی، و تسبق الاسلام بقرنٍ و نصف أو مئتی سنة، و تبدأ مِن زمن نشوب حرب البسوس بین قبیلتی «بکر» و “تغلب”، و هی التی نالت إهتمام الباحثینَ فی البحوث الأدبیة، و هی التّی وصل إلینا منها مایُسمّی بالشّعر الجاهلیّ، و سُمّیت بالعصر الجاهلیّ.

2- مفهومها:

كلمة الجاهلیّة من حیث اللغة هی مصدر صناعی مشتق من صیغة اسم الفاعل (جاهل)بزیادة یاء النسبة المشددة وتاء التأنیث المربوطة(ة) للدلالة على مافیها من خصائص سلوكیة ،أخلاقیة وعقدیة لحقبة تاریخیة سبقت الإسلام فی الجزیرة العربیة. القران الكریم هو الذّی أطلقَ هذه الکلمة علی العصر الجاهلی، و جاءت فی أربع مواضع، و دلالتها تتردّد بین معنیینِ: الفترة التی سبقت الإسلام، و المفاهیم و العادات السخیفة الّتی تخالف حكم الله سبحانه تعالى، وقد نسخها الإسلام:

1- « وَ طائفةٌ قَد أَهَمَّتهُم أنفُسُهُم یظُنُّونَ باللهِ غیرَ الحقِّ ظَنَّ الجاهِلِیةِ» (آل عمران: 154)

2- « أَفَحُکمَ الجَاهِلِیةِ یبغُونَ وَ مَن أحسَنُ مِنَ اللهِ حُکماً لِقومٍ یوقِنونَ» (المائدة: 50)

3- «إذ جَعَلَ الذینَ کفَروا فِی قُلوبِهِم الحَمِیةَ، حَمِیةَ الجَاهِلِیةِ فَأنزَلَ اللهُ سَکینَتَهُ عَلَی رَسُولِهِ وَ عَلَی المُؤمِنینَ». (الفتح: 26)

4- «وَ قَرنَ فِی بُیوتِکُنَّ وَ لا تَبَرَّجنَ تَبَرُّجَ الجَاهِلِیةِ الأولَی» (الأحزاب: 33) .

إختلف الباحثون فی معنی کلمة الجاهلیة، فمنهم مَن جعلها نقیضةً للعلم کالجاحظ، و ابن عبدربّه و غیرهما ،خاصة كثیر من المستشرقین وغیر العرب الذین كانوا ولایزالون یكتبون فی السیاق ذاته مؤیدین لهذا الإتّجاه دون أن یُقیموا للمعانی الأخرى وزناً أو یأخذوها بعین الإعتبار والحسبان ، و منهم مَن یری أنّ کلمة الجاهلیة مشتقة مِن الجهل بمعنی السّفه، و الطیش، و الغضب، و الجهل بالله و رسوله و شرائع الدین، و یعتبرها ضدّ «الحِلم».
و یستَشهد أصحاب هذه الرؤیة بحدیث من رسول الله (ص) یقول فیه: «أربَع فی أُمتی أمرُ (من أمر)ِ الجاهلیّة لایترکونَهنَّ: الفخرُ بالأحساب، و الطعنُ بالانساب ،و الإستسقاء بالنجوم، و النیاحة»، و یستشهدون أیضاً بأشعار مِن الشّعر الجاهلیّ مثل قول عمرو بن کلثوم فی معلقته:

ألا لا یَجْهَلنَّ أحَدٌ عَلَیْنا

فَنَجْهَل فَوْقَ جَهْلِ الجَاهِلینَا.

و قول قیس بن زهیر:

أظُنُّ الحِلمَ دَلَّ عَلی قَوْمِی

وَقد یُسْتَجْهَلُ الرَّجُلُ الحَلِیمُ.

و یقولون أنَّ أبا الحکم عمرو بن هشام سُمّی بأبی الجهل؛ لأنَّهُ کان سریعَ الغضب و متکبراً.
یری عمر فروخ أنّ الجاهلیة مِن الجهل الذّی هو ضد الحلم، لا من الجهل الذّی هو ضد العلم.و جاءَ فی لسان العرب حول معنی الجاهلیة: «هی الحال التی کانت علیها العرب قبل الاسلام من الجهل باللّه سبحانه و رسوله، و شرائع الدین و المفاخرة بالأنساب و الکبر و التجبر و غیر ذلک» و نقیضها عند شوقی ضیف «لفظة الاسلام التی تدلّ علی الخضوع و الطاعه لِِله» و تحثُّ علی التحلّی بالخلقِ الکریم.
یرى طه حسین أنّ القران أصدق مرأة للعصر الجاهلی، وأنه لایمثّل الحیاة الدینیة وحدها، و انَّما یمَثِّل حیاةً عقلیةً قویةً، و یمثّل قدرةً علی الجدال و الخصام یصفها القرآن و یشهد لأصحابها بالمهارة و ینفی کون الجاهلین جُهّالاً أو أغبیاء.
إذاً، وقف الباحثون عند کلمة الجاهلیة و فسّروها أکثر من تفسیر، و اعتاد المؤرخون تسمیة تاریخ العرب قبل الإسلام باسم التاریخ الجاهلی أو تاریخ الجاهلیة، وقد فهم عدد مِن الباحثین و منهم طائفة من المستشرقین أنّ الجاهلیة مِن الجهل الذی هو ضدّ العلم، وقد فهم فریق آخر أنّ معنی الجاهلیة نقیض للحِلم، و انّها بمعنی الطّیش و السّفه و الحمق و الغضب.
حاول الدكتور ناصرالدین الأسد من خلال جهوده الحثیثة وحشد مجموعة من النصوص أن یثبت معرفة عرب الجاهلیة بالقراءة والكتابة ،وأنّ الجاهلیة التی وصموا بها كانت جاهلیة دینیّة ،وانتقد أن ینظرالى العصر الجاهلی نظرة واحدة ،وأن یُحكم علیه حكم عام مطلق ،وأن یوصم عرب الجاهلیة جمیعاً بالبداوة والجهالة .
وبعد الإسهاب فی هذا الأمر دعا الدكتور ناصر الدین الى النظر فی الفروق الواسعة بین بیئات المجتمع الجاهلی ،وعدم إصدار حكم واحد عام على تلك الفترة المُسماة بالعصر الجاهلی.
یظهر ممّا سبق، و نظراً لما کان موجوداً فی الجاهلیة من معارف و علوم قلیلة کالطّب المُستورث، و معرفة النجوم و الفراسة، و إقتفاء الأثر، و الأدب الرفیع، و بحکم تُعرَفُ الأشیاءُ بأضدادِها، إذا أخذنا معنی الجاهلیة بالمفاهیم و العادات السخیفة التی تخالف حكم الله عزّ وجلّ، و الفترة التی سبقت الإسلام، و جعلنا نقیضها «الحلم»، فهذا لاینفی وجود الجهل فی تلک الحقبة التی تفشّت فیها عبادة الأوثان، و جُهل فیها الخالق الرحمان، و ابتعد فیها الإنسان عن اکتساب الجنان.
لکن هذا الأمر لایعنی أنّ العرب فی عصر الجاهلیة كانوا یعیشون فی الجهل المطلق كما زعم بعض الباحثین بدافع الحرص والغیرة على الإسلام أو بدوافع أخرى لیست خفیّة على مَن لهم باع فی هذا الشأن ،بل كانوا على معرفة متفاوته بمیراث الآباء والأجداد والحضارات السالفة البائدة التی شهد بها القرآن الكریم لهم وجاء ذكرها فیه ،وأیضا ًكانوا على معرفة بالحضارات التی حولهم.
و كذلك كان فیهم من العقل ممّا جعلهم حَمَلةً لدین الإسلام الذی هو دین العقل ،ومنهم من سارع الى إعتناقه وآمن به ،وجاهد فی سبیله .وفی المقابل قد أقرّ الإسلام الفضائل التی كانت فی الجاهلیة وبارك فی كثیر من المناقب التی كانت توافقه .
والقران لم یأت بكلمة الجاهلیة مقابل المعرفة بالعلوم والحضارة أو خلو المجتمع من العقلانیة والقیم الأخلاقیة بل وضعها نقیضة لمعرفة الله وشرعه من خلال سلوكیات وتصرفات تخالف الدین،و تعنی الجهل بالله ومخالفة أوامره .
ومن هنا، ومن هذه الرؤیة، وبما أنّ الجاهلیة مجموعة سلوكیات وتصرفات تخالف معرفة الله وشرائعه ،ترى شریحة من الباحثین خاصة المتأخرین والمعاصرین أنّها لاتقتصر على العصر الجاهلی والجزیرة العربیة فحسب، بل هی موجودة فی أیّ مكان و زمان، و لاتختص بقوم معین بل یمكن رؤیتها عند أیّ قوم وفی أیّ زمان ومكان.
لیس الهدف مِن الخوض فی هذا الموضوع إثبات أو ردّ رؤیة معینة اعتمدها الأدباء والباحثون ، بل تسلیط الضوء علی المعنی الحقیقی لهذه الکلمة من خلال ماجاءَ فی القران الکریم و الحدیث النبوی الشریف و أشعار العصر الجاهلی وما توصل الیه الباحثون .
و أظنُّ أنّ تفسیر کلمة الجاهلیة بمعنی واحد ،دون الأخذ بالمعانی الأخرى أمرٌ یفتقر الی الدقة و التأنی ،حیث یجعل التفسیر بعیداً عن الحیادیة المطلوبة التی یحتاجها أیّ بحث رصین یُمكن الإعتماد علیه ویُعبّد الطریق للسالكین والباحثین.

المصادر:
1-القران الكریم.
2-لسان العرب.ابن منظور
3-تاریخ الأدب العربی(العصر الجاهلی) د.شوقی ضیف
4-تاریخ الأدب العربی.عمر فروخ
5-البیان والتبیان .الجاحظ
6-مجانی الحدیثة.فؤاد افرام
البستانی.
7-معجم الشعراء .المرزبانی.
8-بلوغ الأرب فی معرفة احوال العرب.محمود شكری الألوسی.
9-العقد الفرید .ابن عبدربه الأندلسی.
10-مصادر الشعر الجاهلی وقیمتها التاریخیة.ناصر الدین الأسد.

+درج شده توسط مترجم عربی - دکتر مهدي شاهرخ در یکشنبه ۲۸ تیر ۱۳۹۴و ساعت 9:5|